عبد كاشا يحدّق مليّاً في "غاليري كليم بشارة"... البصمة اللونية روح لا تنطفئ ولا تُحجَب
تنحصر كتابة تاريخ الفن حتى اليوم في تاريخ الشكل والفكر، فيما بقي ما يتعلق بالفن كـ"مواد" مهمشًا لوقت طويل. فالتقنيات ظلّت مقصاة كمفهوم معرفي، وكأنها غير ذات أهمية أو حتى غير مرئية.
في منجزات عبد كاشا، لا يسعنا أن نتجاهل هذا البعد المتعلق بالتقنية، أي "اللون كمادة"، إذ ينحفر على القماشة كأثلام في باطنها. يدفعنا عمله للإصغاء الى النشاط والممارسة الفنية، أكثر من الاكتفاء برؤية كيف يُغلق العمل كشكل ويبلغ نهايته. فالتقنية – أو لنقل العملية الكيميائية النشطة التي يولد منها العمل ويستمر عبرها – هي "الأثر" الوحيد في أعمال عبد كاشا، وهي المقاربة الأساسية فيها. من هنا يدعونا الفنان إلى "اليقظة، لندرك أن كل ما كان يرقص من حولنا إنما كان ينتظر أن نراه. فالعبثية ليست هراءً خالصًا، بل نظام قديم ومعقد لا يكشف عن نفسه إلا لأولئك الذين يجرؤون على التحديق طويلًا".

يد الفنان مطواعة، بارعة في توزيع الأشكال والتنقل في مروحة الألوان. أداته الوحيدة هي الأكريليك، كمادة لزجة تشبه أمواج البحر التي تصفق على جنباتنا وتخترق أعيننا. الطريقة التي يصهر بها ألوانه، تساهم في قراءتنا لإيقاع أعماله، إذ ينجز لوحاته بخفة واضحة، تنجرف فيها الألوان ويبعضها تكسّر فوق بعض، كما لو أنه يفرض علينا أن نهبط إلى القماشة وننقاد في تعرجات ومسارات بخفة البرق.
"البصمة" الشخصية تتصدر أعماله عبر أحد عناصرها الأولى: المادة اللونية، وهي روح الفنان التي لا تحتجب.
أما الملاحظة الأبرز فتتعلق بانتقاء الأعمال وتوزيعها في الصالة، إذ ليس ثمة استراتيجيا واضحة، بحيث اختلطت الأعمال الصغيرة والكبيرة دون ربطها بمسار محدد. وهي خطيئة شائعة في معظم الصالات الفنية في بيروت. وكان في الإمكان استبعاد بعض الأعمال، ولمَ لا!
عبد كاشا فنان تمتد ممارساته بين الرسم والنحت والتركيب، حيث يشكّل كل وسيط منها مدخلًا للبحث في الذاكرة والتهجير والتحولات المتغيرة لهوية الإنسان. وُلد في سوريا ويقيم اليوم في بيروت. شارك في معارض في سوريا ولبنان والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا. ومعرضه الحالي في "غاليري كليم بشارة" تحت عنوان "التحديق الطويل" يُقام من العاشر حتى الثلاثين من أيلول.
نبض