عام على غياب إلياس خوري... وسام الأرز الوطني ولقاء وفاء في بيروت

ثقافة 15-09-2025 | 20:12

عام على غياب إلياس خوري... وسام الأرز الوطني ولقاء وفاء في بيروت

عام مضى على رحيل الياس خوري، حين طوى كتاباً كان ضميره الحيّ، يترجم وجع المقهورين.
عام على غياب إلياس خوري... وسام الأرز الوطني ولقاء وفاء في بيروت
رئيس مجلس الوزراء نواف سلام ووزير الثقافة غسان سلامة يسلّمان عائلة الياس خوري وسام الأرز الوطني. (نبيل إسماعيل)
Smaller Bigger

إلياس خوري (1948 - 2024)، ذلك الصوت الأدبي الذي امتدّ على مسافات الوجع والأمل، وواحد من أهم الروائيين والمفكرين العرب في العقود الأخيرة، الذين لم يكتبوا الأدب من أجل الأدب فحسب، إنّما جابوا به ساحات الحرية وجعلوه مختبراً للذاكرة وتوسّلوا به لمقاومة النسيان.

كُرّم خوري مساء اليوم في مدينته وبين أهله وناسه والأصدقاء، ومنحه رئيس الجمهورية جوزف عون عبر رئيس مجلس الوزراء نواف سلام وسام الأرز الوطني، وكرّمته الجامعة الأميركية في بيروت عبر إنشاء "جائزة الياس خوري للتميّز في الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية"، ومدينة بيروت ستُطلق اسمه على إحدى مكتباتها العامة.

عام مضى على رحيله، حين طوى كتاباً كان ضميره الحيّ، يترجم وجع المقهورين، ويعيد صياغة التاريخ من الهامش، حيث يعيش المنفيون واللاجئون والمهمَّشون. في حضوره تجسّد دور المثقف الحقّ: ناقد، مفكّر، وصاحب مشروع أدبي كبير يتجاوز حدود الرواية إلى فضاء الفكر والسياسة والالتزام الإنساني.

 

أصدقاء الياس خوري في المكتبة الوطنية. (نبيل إسماعيل)
أصدقاء الياس خوري في المكتبة الوطنية. (نبيل إسماعيل)

 

هو الكاتب اللبناني الذي عاش الحرب الأهلية، والمفكر العربي الذي كتب عن فلسطين كما لو كانت بيته الأول، والإنسان الذي انحاز إلى كل مظلوم، أيّاً كانت هويته. واحتفاءً بهذا الأثر، تقاطر محبّوه مساء اليوم إلى المكتبة الوطنية في بيروت، برعاية رئيس مجلس الوزراء نواف سلام وبدعوة من وزير الثقافة غسان سلامة، ليحيوا ذكراه في أمسية جمعت بين شهادات الأصدقاء وقراءات من أعماله. هناك، في فضاءٍ اتّسع لذكرى الكاتب والمفكّر، تداخل الأدب مع الوجدان، وتحولت القاعة إلى مساحة وفاء للذي جعل من روايته مرآة للذاكرة الجماعية.

 

وكانت طاولة مستديرة بعنوان "عوالم إلياس خوري المتعددة"، أدارها الكاتب والأكاديمي ماهر جرّار للبحث في أثر خوري في الصحافة والأدب والذاكرة، إلى جانب وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي، ونقيب المهندسين السابق المهندس المعماري جاد تابت، والكاتب والمخرج محمد علي الأتاسي الذي تحدّث عن أثر الراحل في فلسطين وسوريا. أمّا الفنانة ريما خشيش فقد قدّمت تحيّة مغنّاة لخوري وزياد الرحباني.

واختتم اللقاء بندوة أدبية أدارها الشاعر والناقد الزميل عقل العويط بمشاركة الكاتب والناقد عبده وازن، الباحث والناقد الدكتور لطيف زيتوني، والباحثة المتخصصة في النقد الروائي الدكتورة رفيف صيداوي. وأرادت الندوة "أن تلقي الضوء على الياس خوري في شخصه الروائي والإنساني، من خلال مفاهيمه الروائية والوجودية"، وفق العويط، الذي طرح أسئلة نقديّة عميقة:

"أيّ أسلوبٍ هو أسلوبه، وأيّ شكل، وأي بنية، وأيّ مرايا هي مراياه، وأيّ خطاب جماليّ هو خطابه، وأيّ رواية هي روايته؟

وهو، من هو؟ أهو كمال، اللبناني الشاب المثقف الماركسي في "الوجوه البيضاء"، الذي يعيش هواجس الانتماء والتغيير السياسي ويجسد تجربة اليسار اللبناني في سبعينات القرن العشرين؟
أهو نعيم عبدالله في "رحلة غاندي الصغير" وفي رؤيته للخراب بعد الحرب؟
أهو الذات الممزقة في آدم حنون، بطل رواية "أولاد الغيتو"، الفلسطيني الذي بلا وطن، واللبناني الذي بلا استقرار، والكاتب الذي بلا جمهور؟ 
أحقا الياس هو آدم، في وجهه الآخر؟ 
أهو يونس، أبو سالم في "باب الشمس"؟
أم هو الراوي الشاهد، شبه الصامت، خليل أحمد جابر؟
وهل خليل هذا هو حقا الياس، وهل حقا ليس هو الياس في الآن نفسه؟ 
هل كتب الياس خليل أحمد جابر كي يكون شاهده؟
هل يتماهى الياس مع يالو، مع دانيال الاشوري السرياني، الذي يكتب اعترافاته تحت التعذيب ثم يعيد كتابتها وسردها مرارا، من دون ان يروي الحقيقة كاملة؟ هل يختفي خلفه؟
وسؤالي الممضّ الأخير، كيف يكون ألمه الأخير هو روايته التي يجب أن تُكتَب وتُقرأ؟"

 

الرواية بيتٌ للذاكرة
بدأ خوري رحلته الأدبية في السبعينيات، في زمنٍ كانت فيه بيروت على فوهة البركان، يغمرها الصخب الثقافي وتعصف بها رياح الحرب. وبلغ مشروعه ذروة ملحمية مع "باب الشمس" (1998)، تلك الرواية التي تحوّلت إلى أيقونة أدبية عن النكبة واللجوء الفلسطيني. لم تكن بياناً سياسياً أو خطاباً تعبوياً، إنّما أرادها خوري عملاً إنسانياً يفيض بالشعرية، حيث فلسطين تتخطى الجغرافيا لتصبح بيتاً للذاكرة. صارت الرواية حدثاً بحدّ ذاتها: تُرجمت إلى لغات عديدة، وتحوّلت إلى فيلم سينمائي، وأدخلت خوري إلى نادي الكبار الذين أعادوا صياغة معنى الرواية العربية. ومع "أولاد الغيتو" بأجزائها الثلاثة، وسّع أفق هذا المشروع، متتبّعاً مصائر الشخصيات والذاكرة في زمن النكبة المستمرة، ليكتب ملحمة جديدة عن الهويات الممزقة والمنفى الذي لا ينتهي.

لماذا يظل إلياس خوري حاضراً في وجداننا وفي الأدب العربي؟ لأنّه علّمنا أنّ الرواية قوة مقاومة، وأنّ الكتابة قادرة على إعادة ترتيب الشظايا، وأنّ الألم عندما يُروى يمكن أن يصبح ذاكرة وأنسجةٌ تتشابك لتُشكّل هوية. علّمنا أن القارئ العربي ليس دوماً محتاجاً إلى الفرح السهل، بل إلى الصدق والمثابرة على الكلمة التي تعتنق الحقيقة مهما كانت قاسية.

 

رئيس مجلس الوزراء نواف سلام ووزير الثقافة غسان سلامة. (نبيل إسماعيل)
رئيس مجلس الوزراء نواف سلام ووزير الثقافة غسان سلامة. (نبيل إسماعيل)

 

إنّ إرث خوري ليس في كتبه وحدها، بل في مَن دأبوا على قراءته، ومَن سيستمرّون في الاقتباس مِن صوته ورؤيته للزمن والأرض والتاريخ، ومِن توزّع الأمل عبر هامش الذكريات والوجع، هو الذي تبنّى قضية فلسطين عن قناعة، وكان هاجسه الحرّية، وكان نجماً ساطعاً لجيل المنتفضين، وكما قال عنه وزير الثقافة غسان سلامة: "كان معطاءً في كلّ أشكال التعبير الحرّ لأنه كان مهجوساً بالحرية وكان نجماً ساطعاً بجيل عشق الحرّية ولم يزل".

 

وأضاف الوزير: "كان أستاذاً فذاً علّم في لبنان في جامعات لبنان وعلّم في جامعات الخارج، وكان صوته مسموعاً في قراءة الأدب العربي المعاصر وفي تحليله وفي نقده. وكان أيضاً ناشراً، عرفناه مديراً لتحرير "شؤون فلسطينية"، مديراً لصفحة الثقافة في جريدة "السفير" الغابرة، ومديراً لملحق "النهار" الذي أعاد إحيائه بعد كبوته الكبيره. ولكن الياس كان أولاً روائياً عظيماً".

 

حضور أبدي في وجدان الأدب
ذات يوم، قال خوري لابنته عبلة إنّ "الثقافة جوهر الحياة، وإنّ الأدب مساحة للحلم والحرية". بين جمع الأصدقاء، استذكرَت قوله، وتخيّلت صوته ومعالم وجهه وتعليقاته "غير المفلترة" على كلّ الأحداث التي شهدها عام الرحيل: "ماذا كنت ستقول؟ ماذا ستكتب؟ عن الموت، عن المجاعة، عن الأمل الذي نحاول التمسّك به في هذه الأيام العصيبة". وأعلنت من المكتبة الوطنية العمل على إنشاء "مؤسسة إلياس خوري" لتحافظ على إرثه، وإقامة نشاطات تعرّف بأدبه ومبادئه للجيل الجديد، وإطلاق "جائزة إلياس خوري للرواية الأولى في العالم العربي" العام المقبل.

كرّس خوري مكانته كأحد أبرز الروائيين الحداثيين في لبنان والعالم العربي، بفضل خيال روائي ابتكر عوالم تنبض بالمعاني، وابتعد عن المباشرة والتصنيف النمطي للشخصيات. في رواياته، تتجاور الحكايات وتتشابك، وتفسح المجال أمام أصوات متعددة من المهمّشين والمنفيين والفقراء لتشكّل لوحة إنسانية تسائل التاريخ والواقع. بهذا الأسلوب، هدم صورة البطل الكلاسيكي والراوي العارف بكل شيء، ليمنح الشخصيات حرية السرد، ويجعل من الرواية فضاءً حوارياً يعبّر عن الغربة والبحث عن المعنى.

أما الموت والاغتراب، فهما ركيزتان جماليّتان في أدبه؛ فالحكايات تبدأ غالباً من موت أبطالها وتكتمل به، ليصبح الموت استعارة عن الخيبات العربية المتلاحقة من النكبة إلى حروب لبنان. هكذا صاغ خوري ذاكرة متشظية لكنها جامعة، تعيد بناء التجربة الإنسانية العربية بوعيٍ جديد، حيث لا معنى للحقيقة المطلقة، إنّما لحكايات تتوالد وتضيء على هشاشة الإنسان وكرامته في آن.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/15/2025 3:17:00 PM
طائرة مستأجرة تضم فلسطينيين تختفي عن الأنظار ثم تهبط فجأة في جوهانسبرغ بظروف غامضة.
النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
لبنان 11/15/2025 11:45:00 AM
وثّقت الحادثة كاميرا المراقبة، فيما لاذ المعتدي  بالفرار