"ليل وغربية وأيلول وعلى إهدن لاقيني"

ثقافة 02-09-2025 | 13:32

"ليل وغربية وأيلول وعلى إهدن لاقيني"

في أيلول، الزمان مزدوج: ضحك ودمعة، بقاء ورحيل، خوف وطمأنينة. اللحظة نفسها تحمل ضدّها، وتعيش على التناقض.
"ليل وغربية وأيلول وعلى إهدن لاقيني"
ليليان يمين.
Smaller Bigger

ليليان يمين

 

 

يجيء أيلول مثل سرّ قديم، يفتح بابه بخفة، ويدخل بلا استئذان. لا يطرق النوافذ، بل يتركها ترتجف بالندى. في إهدن، منذ طفولتي، كان هذا الشهر ميزانًا غريبًا: نصفه سحر يضيء الجبل بضحكة خفية، ونصفه وداع مفاجئ يضعنا على أبواب المدرسة، كمن ينتزع الطفل من حضن الصيف ويلقيه في حضن الغربة.

 

في أيلول، الزمان مزدوج: ضحك ودمعة، بقاء ورحيل، خوف وطمأنينة. اللحظة نفسها تحمل ضدّها، وتعيش على التناقض.

 

أصغي إلى "ليل وغربية وأيلول وعلى إهدن لاقيني" لعازار حبيب، كلمات جورج يمين، فتتسع الذاكرة كنافذة على الضباب. الشوارع المبتلة تصغي للليل، والهواء يحمل صدى ضحكات الطفولة، كما لو أن الزمن نفسه يتنفس معي.

 

يزيد سحر الأجواء صوت يولا بندلي في "راجع ورق الخريف"، كلمات جورج يمين: "راجع ورق الخريف بالهوا يرسم دواير، والشارع يلبس أساور ويلمع دهب الرصيف".

 

ليست الأوراق وحدها التي تتساقط، بل أعمارنا أيضًا، تتلوى، تتساقط، وتلتفّ في دوائر الزمن. الأرصفة الذهبية تحفظ خطواتنا الأولى، تحمل الحنين، وتأخذنا نحو المستقبل المجهول، كما لو أننا نترك خلفنا حياة كاملة في ورقة خريفية.

 

ومن زاوية أخرى، يطلّ جوزاف حرب، دفتره الأصفر بين يديه، وعيناه سؤال صامت: ماذا يبقى من العمر حين يتحوّل إلى أوراق ذابلة؟ أليس الخريف دفترًا يطوي الإنسان أكثر مما يطوي الأشجار؟

 

وهذا العام، وكأن حب أيلول متوارث، يطلّ صوت أميمة الخليل يغني كلمات الشاعر الشاب ماهر يمين في أغنيته "أربع فصول"، فتتردد في أذني الجملة التي تظلّ تتناغم مع روحي: "قاسي العمر لمّا الحزن، يترك على روحك وزن، بتعيش أيامك وجع، أربع فصول من الخريف".

 

أيلول هنا ليس مجرد شهر، بل كائن حيّ، يتداخل مع كل الأصوات التي أحببتها، وأصوات الأرصفة حين تمشي فوقها الشمس. كل ذلك يلمّع لحظات الفرح والخوف، ويعيد رسم دوائر الزمن، ليذكّرنا بأن أيلول يحمل في طياته الماضي والمستقبل، الحزن والفرح، الغياب والحضور، في سيمفونية لا تنتهي.

 

ومن لم يعش العشق في أيلول، يبقى عشقه ناقصًا؛ ككتاب لم تُفتح صفحاته بعد، وكخريف لم تهبط أوراقه على الأرض.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين