معرض للأشباح من 300 تحفة في جنوب فرنسا

باريس - أوراس زيباوي
تحت عنوان "أشباح" افتتح في قصر المعارض في مدينة دراغينيان في الجنوب الفرنسي معرض جديد يتناول ظاهرة الأشباح في الحضارات والثقافات الشعبية منذ آلاف السنين حتى اليوم، يعد الأول من نوعه في فرنسا لأنه يستعرض بأسلوب توثيقي علمي موضوع الأشباح وحضوره في جميع الوسائط الفنية عبر العصور.
ليس الهدف من المعرض الإجابة عن سؤال هل الأشباح حقيقية أم ظاهرة افتراضية، بل الإحاطة بكل الأشكال الفنية والثقافية التي عكست حضور الأشباح وعبّرت عن المعتقدات المرتبطة بالموت والأرواح والحياة ما بعد الموت. يضم المعرض أكثر من 300 تحفة فنية ومخطوطات ولوحات وتجهيزات معاصرة ووثائق من المتاحف الفرنسية والعالمية والمجموعات الخاصة تشهد لإرادة البشر في استكشاف ما وراء الطبيعة وسعي الفنانين والأدباء الى خلق صور بالكلمات والألوان لعوالم غير مرئية.
في القسم الأول من المعرض نتعرف الى أقدم رسم لشبح في تاريخ البشرية، على لوح بابلي مصنوع من الطين، من مجموعة المتحف البريطاني في لندن، أُنجز في القرن الرابع قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين. يشير الرسم الى شبح ذكر له لحية، تقوده امرأة بواسطة حبل الى العالم السفلي. يتضمن اللوح كذلك تعليمات حول طرد الأرواح الشريرة.
تحضر الأشباح أيضا في الحضارة الفرعونية، ففي مصر القديمة كان يُعتقد أن الروح تنقسم أجزاء وأن عدم احترام طقوس الموت يؤدي الى عودة الروح غاضبة لتُخيف الأحياء. أما في الحضارة اليونانية-الرومانية فتتجلى الأشباح بأشكال مختلفة لتطارد الأحياء أو لتستعيد عذاباتهم وتقام حولها المهرجانات والاحتفالات.
مع مرور الوقت تسللت قصص الأشباح الى الثقافات الأوروبية بعد تبنيها الديانة المسيحية، وعكست المعتقدات الشعبية ورغبة البشر في التواصل مع أرواح المتوفين.
يبين المعرض في قسمه الثاني كيف نشأت القصص والأساطير حول الأشباح التي تعود من عالم الموت الى العالم الحي وتعيش في عوالم ظلامية لا يمكن تفسيرها بصورة طبيعية.
تهيمن صور الأشباح على العديد من الأعمال الأدبية كما في مسرحية "هاملت" لوليم شكسبير عند نهاية القرن السادس عشر، وتروي كيف يظهر لهاملت، أمير الدانمارك، شبح أبيه في الليل، ويطلب منه الانتقام لوالده المقتول.
في القرن العشرين ظهرت الكتب وأفلام الرسوم المتحركة التي يقوم ببطولتها أشباح، منها الشبح كاسبر وهو لطفل صغير متوفى لا يحب أن يؤذي أحدا ويشعر بالحزن لأنه وحيد وبدون أصدقاء. منذ ابتكار هذه الشخصية في الأربعينات من القرن الماضي، أنجز العديد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية حولها وحقق نجاحا جماهيريا كبيرا.
من أفلام وروايات الأشباح الى البيوت المسكونة التي تستولي عليها الأشباح. يتوقف المعرض عند نماذج عديدة، من أشهرها بيت الأميركية سارة وينشستر (1839-1922) التي أمضت ثمانية وثلاثين عاما معزولة عن العالم وهي تبني منزلها بالقرب من مدينة سان فرنسيسكو بعد أن فُجعت باكرا بموت طفلتها الوحيدة ثم زوجها وهو في عز شبابه. شُيد المنزل بدون تصميم أساسي ويحتوي على سمات غرائبية كنوافذ تقود الى جدران مغلقة وأبواب لا تؤدي الى مكان، مما يجعله أشبه بمتاهة لا تنتهي. هذا الطابع العجيب للمنزل أخاف سكان المنطقة فاعتبروه مسكونا بالأشباح. بعد وفاة صاحبته، تحول المنزل الى مزار سياحي يقصده الآلاف سنويا.
وكما في المجتمعات الغربية، تظل ظاهرة الأشباح حاضرة بقوة في الوعي الجماعي في الثقافات الافريقية والآسيوية وفي أميركا اللاتينية. هذا ما يكشف عنه القسم الأخير من المعرض حيث نتعرف الى تحف وأزياء من أفريقيا والصين واليابان والمكسيك، تعكس الخيال الجماعي وبحث البشر عن مصيرهم ما بعد الموت.