أحمد مراد المرشح لجائزة الشيخ زايد للكتاب لـ"النهار": الرواية التي تصنع تاريخها... وتعيد ابتكار الجنون

في زمنٍ يكتب فيه الجميع، يصرّ الروائي المصري أحمد مراد على أن الأدب ما زال ممكناً… ومذهلاً أيضاً. بأسلوب يمزج بين فتنة الخيال ودقة العدسة السينمائية، يخوض مراد في روايته الأخيرة "أبو الهول"، المرشحة للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2025، مغامرة روائية تنبش الغموض التاريخي وتتلمس الخط الفاصل بين العبقرية والجنون.
في هذا الحوار، يفتح مراد قلبه لـ"النهار"، كاشفاً عن جذور فكرته، وهواجسه الفنية، وعلاقته المزدوجة بالكتابة والصورة. يتأمل دور الجوائز الأدبية في مواجهة ضجيج السوشيال ميديا، ويتحدث بثقة عن السينما كنافذة أخرى لأدبه، دون أن يغفل عن أهمية القراءة والانفصال عن "الضجيج الرقمي" لصناعة صوت روائي أصيل.
ما الذي ألهمك لكتابة رواية "أبو الهول"؟ وهل هناك أحداث أو شخصيات حقيقية استندت إليها؟
جاءت فكرة رواية "أبو الهول" من تأملي الطويل في ألغاز التاريخ المصري القديم، خصوصاً أسطورة أبو الهول نفسها، وما تحمله من غموض وأسئلة لا تزال دون إجابة حتى اليوم. لم أعتمد بشكل مباشر على أحداث حقيقية، لكنني استوحيت بعض ملامح الشخصيات –وبالذات شخصية البطل سليمان السيوفي – من أشخاص عرفتهم في حياتي، ثم طورتها بالخيال لتلائم الزمن التاريخي للرواية. كذلك ففكرة مصوّر الموتى كانت محط اهتمامي حيث كنت أعمل مصوراً فوتوغرافياً وسينمائياً لفترة كبيرة من حياتي.
كيف تصف أسلوبك السردي في هذه الرواية؟ وما التقنيات الأدبية التي استخدمتها؟
في الرواية اعتمدت أسلوباً سردياً يُشبه اليوميات المكتوبة بلغة شعرية بسيطة، لأعكس الأجواء التاريخية للقرن التاسع عشر. كذلك استخدمت تقنية السرد غير الموثوق Unreliable Narrator، ما يجعل القارئ يشارك بطل الرواية في شكوكه وهواجسه، ويخلق لديه تجربة قراءة متميزة وغامرة تصنع توحّداً مع البطل وتصدق فكرة اليوميات.
ما الرسائل أو المواضيع الرئيسية التي ترغب في إيصالها من خلال "أبو الهول"؟
الرواية تسعى لطرح فكرة أساسية، أن الحدود بين الجنون والعبقرية قد لا تكون واضحة كما نعتقد. كما تؤكد أهمية التعاطف مع من يعانون الأمراض النفسية والعقلية بدلاً من إصدار الأحكام عليهم، بالإضافة إلى الإشارة إلى أن التاريخ نفسه مليء بالثغرات التي يملأها خيال الإنسان. وهو ما يحدث بالفعل من قبل المؤرخين بنسب مختلفة ويُعتمد على نحو غير قابل للنقاش.
حُوِّلَت بعض رواياتك السابقة، مثل "الفيل الأزرق" و"تراب الماس"، إلى أفلام سينمائية ناجحة. كيف كانت تجربتك في مشاهدة أعمالك الأدبية تتحول إلى الشاشة الكبيرة؟
سعادة غامرة، وتجربة ممتعة، لأنها تمنحني فرصة مشاهدة رؤيتي الأدبية بعيون فنانين آخرين. شعور مدهش أن ترى شخصياتك تخرج من صفحات الكتاب إلى الحياة الحقيقية من خلال أداء الممثلين والإخراج السينمائي. وكذلك وصول الرواية لكل من لا يقرأ والثقافات الأخرى يعد عامل انتشار ورواج كبير، خاصة مع فن سابع يتخطى حدود صنع الوجدان البشري مثل فن السينما.
ما التحديات التي واجهتها عند كتابة سيناريوهات لأعمالك الروائية؟ وكيف تعاملت مع الفروق بين السرد الأدبي والسرد السينمائي؟
التحدي الأكبر في كتابة السيناريو هو الاختلاف الكبير بين تقنيات السرد الأدبي والسينمائي. السرد الأدبي يسمح بالغوص في أعماق الشخصيات بحرية، بينما السينما تتطلب تركيزاً على الصورة والحوار والتكثيف. التعامل مع هذا التحدي يتطلب فهماً عميقاً لطبيعة كل وسيط، والقدرة على إيجاد حلول مبتكرة وهو تحدٍّ أحب جداً الخوض فيه.
هل هناك خطط لتحويل "أبو الهول" إلى فيلم سينمائي؟ وإن كان الأمر كذلك، فكيف تتخيل معالجة الرواية سينمائياً؟
هناك بالفعل خطط جادة لتحويل "أبو الهول" إلى فيلم سينمائي بمشاركة المخرج مروان حامد. المعالجة السينمائية مغامرة فنية كبيرة، ومكلفة، خاصةً مع المزج بين الأجواء التاريخية والعوالم النفسية، فرصة فريدة لتقديم رؤية بصرية متميزة تليق بجوهر الرواية...
ما شعورك بترشيح "أبو الهول" للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب؟ وكيف ترى تأثير هذا الترشيح على مسيرتك الأدبية؟
شعوري بالترشيح لجائزة الشيخ زايد للكتاب هو شعور بالفخر والمسؤولية في الوقت نفسه، لأن الجائزة لا تقدّر العمل الأدبي فقط، بل تفتح المجال للمزيد من القراء للتعرّف إلى رواياتي، وتُعزز مكانتها الأدبية، وتحفزني على مواصلة تطوير أدواتي الأدبية والارتقاء بمستوى أعمالي في زمن يمثل تنافساً مرعباً مع السوشيال ميديا ومصطلحاً عالمياً مثل تعفن الأدمغة.
تُعدّ جائزة الشيخ زايد للكتاب من أبرز الجوائز الأدبية في العالم العربي، وتضم عدة فروع مثل الآداب، الترجمة، وأدب الطفل والناشئة. برأيك، كيف تسهم هذه الجائزة في تطوير الثقافة العربية وتعزيز الإبداع الأدبي؟
جائزة الشيخ زايد للكتاب تسهم كثيراً في تطوير الثقافة العربية عبر تشجيع المبدعين وتسليط الضوء على الأعمال الأدبية المهمة. وأقدّر دورها الرائد في الحفاظ على معايير النزاهة والحياد، بعيداً عن أي مواءمات سياسية مقارنة بجوائز لها شهرة كبيرة، ما يجعلها تحظى بمكانة واحترام واسع ومتميز بين الكُتّاب والمثقفين العرب.
كيف ترى دور الجوائز الأدبية، مثل جائزة الشيخ زايد، في تسليط الضوء على الأدب العربي على الساحة العالمية؟
في الحقيقة نعاني في الأدب العربي من نقص واضح في تسليط الضوء العالمي وتراجع ملحوظ في حركة الترجمة، وهو ما يجعل الجوائز مثل جائزة الشيخ زايد مهمة جداً لتجاوز هذه المشكلة، فهي تفتح المجال للأعمال الأدبية لتصل إلى جمهور أوسع وتمنح الأدب العربي فرصة الحضور على الساحة العالمية بشكل أكثر وضوحاً.
كيف تطوّر أسلوبك الكتابي منذ بداياتك الأدبية حتى الآن؟ وما العوامل التي أثرت في هذا التطور؟
مع مرور السنوات تطور أسلوبي الكتابي من حيث العمق والوعي بالتفاصيل، والفضل يعود للقراءة المستمرة – لا أملك سوشيال ميديا أو تصفحاً حرّاً منذ 9 سنوات – والتجارب الشخصية المتراكمة. ثم إن التواصل مع القراء في الندوات ونوادي القراءة وخاصة Gen-Z ساعدني كثيراً في فهم ما يؤثر فيهم وما يترك أثراً عميقاً لديهم.
ما النصائح التي تقدمها للكتاب الشباب الذين يسعون لدخول مجال الأدب والكتابة الروائية؟
أنصح الكتّاب الشباب بالقراءة المستمرة، لأن القراءة هي التي تغذي الكاتب وتطوره، وألا يخافوا من التجريب والابتكار، وأن يكتبوا عن أشياء قريبة منهم وصادقة من مشاعرهم. والأهم، ألا يأخذوا خبراتهم من السوشيال ميديا فقط مع عدم إنكاري لأهميتها لكن الكاتب يجب أن يكون له خط سير مختلف عن القرّاء، حتى يبهرهم.
ما المشاريع المستقبلية التي تعمل عليها حالياً؟ وهل هناك مواضيع أو مجالات جديدة ترغب في استكشافها في أعمالك المقبلة؟
حالياً أعمل على رواية جديدة بمفهوم مختلف، وأيضاً على مشاريع سينمائية مهمة مثل الجزء الثالث من فيلم "الفيل الأزرق" وفيلم "الست" الذي يتناول حياة أم كلثوم وسيُعرض في عام 2025. دائماً أحب استكشاف مجالات ومواضيع جديدة لأقدم للقراء والجمهور تجربة أدبية وفنية متجددة.