"خير جليس" كتاب في البال!

إسماعيل فقيه
كتب الروائي والكاتب اللبناني جورج يرق على صفحته في فايسبوك عن "معارض مهجورة"، معلّلاً "لولا التواقيع لكانت معارض الكتب أمكنة مهجورة، إلّا من الموظّفين في الأجنحة. وتليها الندوات على رغم أنّ جمهور بعضها لا يملأ ربع القاعة".
كلام يرق حقيقي ونابع من قلب طيب، حريص ويحرص على الكتاب والكتابة بمداها المفتوح، ولا يخفي قلقاً جارفاً على مستقبل الكتاب والكتّاب، بل يجسد حسرة قاسية تصيب الكتاب نفسه الذي كان "خير جليس" في حياة البشر.
ونشاطر الصديق العزيز جورج حسرته وقلقه وإنذاره الحضاري الثقافي، وتحذيرة من مغبة اختفاء الكتاب من الحياة العامة، وربما الخاصة أيضاً.
ونشاركه الخوف على مصير الكتاب والنظرة القاتمة التى تفصلنا عن اللغة المكتوبة على الصفحات الورقية الشجيّة، فلا يمكننا، نحن أبناء جيل تعلّم وتربى وتثقف بلغة مكتوبة ومطبوعة على الورق الأبيض والأصفر، أن نخرج من هذه الشراهة التي توازي حالة الشبق والإدمان على فتح الكتاب أو الجريدة أو أي منشور مكتوب على الورقة الناصعة. حتى الروائح المنبعثة من أوراق الكتاب، وأنت تقرأه، تأخذك إلى عميق المتعة والوعي والانتباه.
مردّ كلامنا عائد إلى مناسبة المهرجانات التي تحتفل بالكتاب، وما أقلّها اليوم! وباتت نادرة من سنوات كثيرة عبرت.
يطلّ علينا في هذه الأيام مهرجان الكتاب للحركة الثقافية في أنطلياس إطلالة لن أقول خجولة، بل أباركها وأبني عليها أملاً كبيراً، وأتمنى أن تستعيد المنتديات الثقافية معارضها الثقافية، ويكون للكتاب فيها نصيب كبير.
فقد غابت واختفت منذ عقود تلك المعارض، والكتاب في خبر غياب!
الكتاب يبقى الأصل والأصيل في تخزين الثقافة والوعي المعرفي. لا بديل من الكتاب، مهما تغيرت وتطورت أدوات الكتابة التكنولوجية. فقد بدأت الثقافة والقراءة عبر المكتوب بخط اليد ثم المطبعة، وكان لوقع قراءتها على صفحات الورق متعة لا تضاهيها متعة، ثم تطورت أدوات الطباعة والنشر، وحاولت احتواء اللغة والصورة في شاشة صغيرة متحركة وجاذبة للعقل والنظر، لكنها لم تنجح في إقفال المشهد، وإلغاء متعة البهجة الناجمة عن قراءة اللغة من على صفحات ورقية، إن في الجريدة اليومية أو في الكتاب الورقي المطبوع بعناية الفكر والنظرة الثاقبة.
يستمر الكتاب الورقي بحضوره الجاذب لكلّ عقل نيّر، وما يزال، منذ ابتكاره، خير "جليس". وفي مهرجان الكتاب الذي ألفناه منذ عقود، انطلقت الخميس الدورة الـ 42 من "المهرجان اللبناني للكتاب"، الذي تستمرّ فعالياته حتى 16آذار/مارس الجاري في القاعة الكبرى لدير مار إلياس - أنطلياس، من الساعة 3:00 بعد الظهر حتى الساعة 9:00 مساءً.
المهرجان الذي تنظّمه "الحركة الثقافيّة" افتتح باحتفال ثقافي، حضره حشد ثقافي ورسمي. ويضم المعرض أجنحة متعددة لدور النشر والمكتبات. وتتخلل المهرجان نشاطات، وبرامج ثقافية يومية ولقاءات حول إصدارات، وندوات ثقافية واقتصادية ووطنية واجتماعية، أبرزها تكريم للفنان التشكيلي شوقي شمعون، وندوة بعنوان "موريس عواد: 55 سنة شعر باللبناني"، وأُخرى حول "يوبيل 325 سنة للرهبانية الأنطونية المارونية"، وتكريم للنقيب والوزير السابق رشيد درباس وللدكتورة ندى مغيزل نصر. أما أمسية الختام فستكون مخصّصة للاحتفاء بمئوية مولد منصور الرحباني من خلال ندوة، وأمسية غنائية، وجناح خاص بمقتنيات الرحباني الشخصيّة.