مها بيرقدار التي قادها ديوانها الأول الى الزواج من رائد الحداثة الشعرية!

ثقافة 23-02-2025 | 12:24

مها بيرقدار التي قادها ديوانها الأول الى الزواج من رائد الحداثة الشعرية!

مها بيرقدار التي قادها ديوانها الأول الى الزواج من رائد الحداثة الشعرية!
مها بيرقدار.
Smaller Bigger

رحلت الشاعرة الكبيرة مها بيرقدار الخال، التحقت بشريك حياتها الشاعر المُجدد في الشعر العربي الحديث يوسف الخال، أطفأت شمعة الحياة وانتقلت الى الأبدية، تاركة إرثاً ثقافياً في الشعر والرسم والفن.
مها بيرقدار الخال، فنانة تكتب الشعر وترسمه. زاوجت بين اللغة واللون، لكنها أبقت على مسافة بينهما، فالذي كتبته باللغة هو غير الذي رسمته بالريشة واللون. وهذا ما جعلها تقف عند تقاطع المعنى والتعبير، حيث الدلالات تأخذ المهتم الى تعابير وصور اجتمعت لتؤلف صورة التجربة التي عاشتها وتعيشها الفنانة الشاعرة.
تختزن الراحلة في شخصيتها كل الرهافة والقلق، والكتابة بالنسبة اليها  هي "فعل تبرير لهذه الروح المكبلة بألف سجن، قد تكون الكتابة رشوة تلهيني عن فكرة الموت، لكنها تبقى رشوة جميلة تطمئنني ولو قليلاً". وتقول أيضاً، "إن الابداع هو المدخل الصحيح الى الحياة.
العمل الابداعي رسماً كان أو شعراً هو ما يعطي الحياة معناها ومداها، والا فكلنا قطيع يلهث خلف اليوميات ويخاف من سخف تلك اليوميات وسجنها".
سألتها يوماً ، كيف اهتديتي الى الكتابة والرسم، وهل من رمز او حدث معين اوصلك الى هذا الابداع؟
وكان جوابها: "ربما، ولانني انسانة رومانسية، دفعتني هذه الرومانسية نحو حساسية حادة حيال الكون والموجودات، فرأيتني أتأمل واتفاعل وأحلل واصغي واتعلم وانفعل، حتى وصلت الى فعل الكتابة كحد أدنى للتعبير عما أعيشه أو عما أحب ان أكونه، كذلك مع الرسم، فانشغالي بجمالات الدنيا اخذني كثيرا وبعيدا. لقد أحببت الطبيعة والوجوه والحجارة القديمة والابواب، وهذا من حيث الشكل الظاهري للاشياء، اما في ما يتعلق بداخل الانسان فهناك معان وقيم عظمى كالحب والحيرة وفكرة الفداء".
 اللوحة التي رسمتها  الراحلة هي بمثابة تكملة للقصيدة، والعكس هو الصحيح. فهي تعتبر اللوحة عالماً مستقلاً تماماً عن عالم الكتاب، "اللوحة عالم مرئي ومحسوس اقول فيه معاناتي الوجودية والانسانية عن طريق الفكرة والخط واللون الى جانب ابراز عالمين هما عالم النور وعالم الظلمة، اللوحة كيان لا يقبل شريكاً إطلاقاً حتى لو كان هذا الشريك هو الشعر. ولو كانت اللوحة بقية القصيدة أو تكملة لها لجاءت منقوصة مبتورة مشوهة، شأنها شأن القصيدة فيما لو جرى عليها الامر نفسه".

وعن  الشعر الذي تكتبه المرأة اليوم ، تقول مها: "أنا ضد التسميات القائلة بالادب النسائي والادب الذكوري لانني أومن بأن المعاناة واحدة، المرأة المبدعة موجودة كالرجل المبدع، والعطاءات الجيدة موجودة عند الطرفين، مثلما الافرازات الرديئة موجودة ايضاً عند الطرفين".
 وتلخص تجربتها في الحياة والابداع:" أقول كل شيء "قبض ريح"، إن كل ما نقوم به نقوم به لنبرر وجودنا ولندفن الاسئلة الكبيرة، لننسى الموت أو على الاقل لننشغل عنه".
وحين سألتها ، هل من هموم في حياتك تمنعك من الابداع او بالعكس تحرضك على الابداع؟
أجابت: "يقال ان الالم الكبير هو الدافع للفن العظيم. ان الهموم الصغيرة لا تأخذ من اهتماماتي الا الخير الضيق ولا تلهيني عما يشغلني من الآم كبيرة، فسعر البنزين لا يؤثر فيَّ كوجوه الشهداء وهي تتساقط امام عيني كل يوم. والغلاء والفساد لم ينسياني معاناتي في الحرب اللبنانية".

 

ديوان... وزواج

وُلدت الشاعرة والأديبة والرسامة مها بيرقدار الخال في دمشق، والدها المقدم محمد خير بيرقدار (عسكري، يهوى الرسم ويمارسه)، ووالدتها السيدة نظميّة الأمين، وتتمتع بموهبة الرسم أيضاً.
ترعرعت ضمن عائلة مؤلفة من أربعة أولاد. وكانت طفلة جميلة هادئة، وتنعمت بعاطفة والدها الجارفة والدلال اللامتناهي.
تفصح الشاعرة مها الخال عن أنها عاشت طفولة سعيدة، وهذه الطفولة السعيدة ساهمت في إطلاق مواهبها. ففي سن الرابعة عشرة، وضعت باكورة أشعارها وبدأت ريشتها ترسم الملامح والخطوط وتلونها على دفترها الأبيض. بحكم عمل والدها، تنقّلت العائلة في معظم القرى والمدن السورية، فكان ذلك بمثابة الطاقة التي شحنت مخيّلتها بالجمال والإبداع، وكانت المطالعة تحشد في ذاكرتها وتراكم مخزوناً إبداعياً وثقافيّاً، الأمر الذي أوصلها الى هذا المحفل الإبداعي الثري.
غيـاب والدها أثّر في مشـاعرها، فكـان سعيـها إلى إصدار أول ديوان شعر كمحاولة للتعويض أو لمواجهـة الشعور بالخسارة. وهي تقول عنها: "انها قصائد متفرقة جمعتها، وقصدت بيروت برفقة صديق والدي، وذهبنا إلى "دار النهار للنشر" في بيروت، وهناك التقيت الشاعر يوسف الخال (مدير الدار آنذاك)".
في البداية، لم تطبع الشاعرة ديوانها، وربما استبدلت طباعة الكتاب بطباعة مسيرة حياتها ومستقبلها، إذ اقترنت بالشاعر الراحل يوسف الخال، وكان الحب من النظرة الأولى والقصيدة الأولى. وبعد ثلاثة أشهر من المراسلة التي أجريت بين دمشق وبيروت بغية التنسيق لطباعة الديوان أو الباكورة الشعرية، لم يستطع الشاعر "العاشق الولهان" الصبر على الفراق، فكتب لها في رسالة :"احضري حين ينتصف تموز أو غيبي إلى الأبد".
وسرعان ما حضرت الصبية الشاعرة الجميلة الحالمة، لأنها لم تستطع مقاومة مشاعرها نحو "الإنسان المميز والمثقف والشاعر العظيم الذي كنت أقرأ شعره وأسمعه عبر أثير الإذاعة السورية بشغف وإعجاب من دون أن أعرفه".
تزوجت الشاعرة من الشاعر، بعد تلك المسافة الزمنية التي جمعتهما. مدنياً في قبرص عام 1970، متخطّيين غضب الأهل وكل العادات والتقاليد والأعراف واختلاف الدين وفارق السن. وأثمر زواجهما ولدين (فنان وفنانة) في عالم الفن والتمثيل: ورد ويوسف الخال.

 

مراحل أخرى

عاشت الشاعرة مع زوجها يوسف الخال سبعة عشر عاماً ثم غادر يوسف الخال، رائد الحداثة الشعرية، الحياة، وبقيت واستمرت مها الشاعرة والرسامة الحالمة، على طريق الشعر والإبداع والنجاح.
تمحورت أعمالها الشعرية حول الحب والإنسان والوطن والخوف. وللرسم حصة متوازية مع الشعر في حياتها، فقد رسمت لوحة مشرقة، تتميّز باللمسة الروحانية ولونتها.

تتحدث الشاعرة عن مراحل عبرتها، عن وجعها، فتقول: "في هذه الحياة مناخات وعذابات. كل إنسان يتمتع بقدر من الحس لا بد من أنه توأم الوجع. فالإنسان محكوم بالحياة والموت، وبين الحياة والموت رحلة محفوفة بالوجع والحروب والانفعالات والمجابهات. فكيف إذا كان هذا الإنسان فناناً حسه مضاعف مئات المرات؟ لقد أوجعني الوطن والإنسان، الحب والفقدان، الانتماء، الخوف والاشمئزاز، الكذب والحسد. لقد خفت  كثيراً حتى لم أعد أخاف".
أما الواقع، فهو قاسٍ في ذاكرتها وصعب. لكن عالم الحلم عندها هادئ جميل ورقراق: "فكيف لي أن لا أفضله؟ عالم أحلامي هو نصف الطريق نحو الفردوس، بينما الأرض كوكب مشتعل تعمه الفوضى والضجيج. أنا إنسانة حالمة إنما فقط ضمن نطاق الرسم والشعر. أما في حياتي العادية، فأنا إنسانة واقعية تلتزم بدقة مسؤولياتها كافة".
لا تحب الشاعرة ولا تفضل "تلك الانتماءات الرومانسية لأمكنة محددة حسبت على البشر أوطاناً. يشدني الحنين إلى بعض الأمكنة في دمشق مثلما يربطني الحب ببلدات الجنوب اللبناني وببيتي في بلدة غزير". 
شغفها الأكبر يكمن في جمالية العمارة في بعض البلدان وروعتها، "في إيطاليا، في فلورنسا بكيت أمام  جمال المدينة وتمنّيت  الموت في تلك اللحظة من نشوة الجمال، وسحر المدينة...".
تعترف الشاعرة وتقول: "العيش حالة تختارنا مثلما نختارها، نعيش الحب، الشعر، الفن، الحلم، القهر. بينما التعايش أمر يفرضه منطق الأشياء وضرورتها".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
مجتمع 10/30/2025 3:01:00 PM
فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادثة للوقوف على ملابسات جريمة الطعن
سياسة 10/30/2025 11:38:00 AM
إسرائيل تعمل على تغييب أي حضور لأهالي وأبناء البلدة ومختلف القرى الحدودية وهي تستمر في عملية عدوانها ولا تعير أيّ أهمية للجيش اللبناني.