"196 متر" يُصوّر واقع اختطاف الأطفال الجزائريين سينمائياً
بوستر الفيلم
Smaller Bigger

 "196 متر" فيلم درامي بوليسي للمخرج شكيب بن دياب، يُعرض في صالات السينما الجزائرية، عن طفلةٍ يتمُ اختطافُها في حيّ شعبي في مدينةِ الجزائر العاصمة. يسعى المحقّق (نبيل عسلي) هو والطبيبة النفسية (مريم مجقان) للعثور عليها قبل انقضاء 48 ساعة، ذلك لأنّ معظم الخاطفين يقومون بقتل الضحايا الأطفال بعد الاعتداء، ومن النادر العثور على طفلٍ حيّ بعد انقضاء 48 ساعة من الاختطاف. 
الفيلم من إنتاج جزائري - كندي، حاز الجائزة الكبرى للمهرجان السينمائي الدولي "رود أيلند" في الولايات المتحدة الأميركية كما رُشّحَ للدورة الـ 97 من جائزة الأوسكار، ليشارك في القائمة الطويلة لأفضل فيلم روائيّ دوليّ طويل. 

  "فيلم 196 متر" ليس مستوحى من أحداث قصة حقيقية واحدة فحسب، بل من عشرات إن لم نقل مئات القصص الحقيقية التي حدثت في البلاد. جريمة اختطاف الأطفال تحوّلت إلى ظاهرة مرعبة في الجزائر، وتكرّرت في مدنٍ وقرى تعدّ آمنة، حيث يعرف الناس بعضهم بعضاً. 
لقد تحوّلت من جرائم فردية نادرة يرتكبها مختلّون إلى واقعٍ مؤسفٍ، بحيث أصبح الناس في مناطق كثيرة يمتنعون عن السماح لأبنائهم باللعب في الأحياء أو إرسالهم لاقتناء ما يحتاجونه من الدكاكين القريبة أو حتى الذهاب إلى المدرسة من دون مرافقة الأولياء. 
بعدما سمع الجزائريون الكثير عن اختفاء طفلةٍ خرجت لتشتري الخبز ولم تعد، وآخر اختفى بعد آخر خروجٍ له لرمي القمامة، وطفلة تمّ اختطافها على دراجةٍ نارية وهي واقفة بالقرب من بابِ بيتهم، وآخر أرسله جدّه من السيارة ليصعد السلالم ويصل إلى بيتهم في الطابق الأوّل يختفي ليكتشفوا أنّ القاتل ليس سوى جارهم في البيتِ المجاور. 
رأينا عشرات الأمهات الباكيات في نشراتِ الأخبار يتوسّلن لأفراد من الشرطة كي يعثروا على أطفالهن، وأمهات أخريات تأمّلنَ وانتظرن لسنوات عودة صغارهن وهنّ لا يعرفن مصائرهم إن كانوا قد قتلوا أو أنهم ما زالوا على قيد الحياة. 
رأينا عشرات الصور لأطفالٍ أبرياء تم اختطافهم والاعتداء عليهم جنسيًا أو ابتزاز عائلاتهم أو سرقة أعضائهم. ولكن حسب إحصائيات مراكز التحقيق في الجزائر، فإن ما هو معروف وشائع  أنّ الدافع يكونُ جنسيًا في معظم القضايا. ووفقًا لمنظمة اليونسكو الدولية، تعدّ الجزائر البلد الأوّل عربيًا في جرائم اختطاف الأطفال حيث تم تسجيل نحو 1346 حالة اختطاف، مع تصاعد العدد من أربع حالات عام 2001 إلى تسجيل 30 حالة اختطاف عام 2020، مما جعل الجريمة في السنواتِ الأخيرة ترتكَب بمعدّل ثلاثين مرة سنويًا. 

قضية محلية - عالمية

  في لقاءٍ للمخرج شكيب بن دياب، عرضته قناة "تيفي موند" قال: "موضوع الفيلم هو مسألة عالمية وإنسانية"، بمعنى أنّ أي مشاهد في العالم يمكنه أن يتفهّم معنى اختطاف طفل بريء وتعرّضه لخطر الاغتصاب والقتل. 
وأضاف أنّه استعان بالشرطة والمحقّقين لمعرفةِ تفاصيل كثيرة حول الإجراءات الأمنية وخطوات التحقيق المعتادة في هذا النوع من القضايا، ليقدّم رؤية واقعية في الفيلم. 
ولعلّ الأهمّ أنّ فكرةَ الاختطاف تمثّل استعارةً لاختطاف الجزائر نفسها، استعارة التعدّي على براءتها وفرحةِ استقلالها، وكيف تمّت خيانة الشعب الجزائري بكلّ ذلك العنف. هذا ما أراده المخرج حين كتب وصوّر تحوّلات المجتمع بعد سنوات العشرية السوداء وآثارها الوخيمة على الصعيد الاجتماعي، وكيف أصبح الجزائري لا يثق في الآخر، وما زال إلى الآن يعاني من عقدةِ الخوف وانعدام الأمن؛ وبسبب ذلك يتم اتهام كل شخصٍ يُلتمس فيه سلوكًا مريبًا أو اضطرابًا، ويكون هنالك دائمًا ضحايا أبرياء يتهمونهم ظلمًا، ويُعاقبون نتيجةَ ما يعانونه هم من شكّ وخوف. 
هذه الفكرة ركّز عليها الفيلم ضمن مشاهد عنيفة تمّ فيها الاعتداء جماعيًا من أهل الحيّ بضرب رجلٍ مضطرب عقليًا، لأنّهم شكّوا فقط بأنّه مَن اختطف الطفلة منال. 

تقنيات سينمائية

  تميّز "فيلم 196 متر" بتقنيات سينمائية عالية وحديثة تمّ استخدامها في الإخراج والتصوير على امتداد 90 دقيقة لخّصت 27 يومًا من العمل، بالإضافة إلى موسيقى تصويرية وُظّفت باحتراف في الفيلم لتناسب كلّ مشهد. 
تنوّعت اللقطات بين لقطات فلاش باك سريعة افتتح بها المخرجُ الفيلم، فجعلت المُتفرّج يرى المشهد من ذاكرةِ الطفل، ولقطات بعيدة صوّرت كادرات جميلة لمدينة الجزائر العاصمة المعروفة باسم الجزائر البيضاء (Alger la blanche)، إضافةً إلى لقطات زوم تقرّب ملامحَ الممثلين وتركّز على انفعالاتهم ونظراتهم في المَشاهِد. 

  تم استخدام الكاميرا المتحركة في المشاهد الأخيرة، حيث ترتفع حركتها وتنخفض إلى الأسفل مثل الرؤية البصرية لتجعل المُشاهد يركّز على ما يراه من وجهة نظر محدّدة تخصّ المؤدّي؛ لذا بإمكاننا اعتبار أنّ الإخراج والتصوير والإضاءة والموسيقى التصويرية هي نقاط قوّة الفيلم، بالرغم من أن المشاهدين انتقدوا عبر  مواقع التواصل ضعفَ الحوار الذي كان من الممكن أن يبدو أفضل وأعمق ممّا تم تقديمه، مع تواصل أفضل بين الشخصيات، خصوصًا المحقّق والطبيبة وبقية الشخصيات عمومًا، الذين جمعت بينهم حوارات قصيرة ومقتضبة طوال مدّة عرض الفيلم. 

  نهاية فيلم "196 متر" بدت مستعجلة مقارنةً بالبناء البطيء الذي بدأ به الفيلم، كما لو كانت بعض المشاهد مبتورة أو مُسرّعة أكثر ممّا يجب، خصوصاً تلك التي تعلّقت بالقفلة النهائية للفيلم في المشاهد الأخيرة. 
ضحكة المجرم نفسها بدت مفتعلة ومسرحية غير مناسبة لمشهد سينمائي مقنع. تبريرات منطقية كثيرة كان يحتاجها المشاهد لربط الأحداثِ بعضها ببعض، وبسبب غيابِها بقيت معلّقة ومبهمة، رغم نهايةِ الفيلم المغلقة. 
أمّا عن دلالات " 196 متر " فهي المسافة التي كان يقطعها الخاطف المتسلسل وسط مدينةِ العاصمة بعد كل اختطاف، وقد تمّ توضيح هذا في الفيلم وفق ما قال المخرج شكيب، بحسب معرفته بشوارع العاصمة، أن معظم شوارع العاصمة قصيرة و لا تتجاوز 200 متر في طولها، وهو ما يتوافق مع أحداث الفيلم وعنوانه. 






















  

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟