برلين 75: هل ستنقذ الأميركية تريشا توتل المهرجان المهدد؟

برلين 75: هل ستنقذ الأميركية تريشا توتل المهرجان المهدد؟
برلين، ساحة مارلين ديتريتش، حيث يجري البرليناله.
Smaller Bigger

تأتي الدورة الخامسة والسبعون من مهرجان برلين السينمائي (13-23 شباط) في لحظة مفصلية (تغيير إدارة، انتخابات ترجّح كفة اليمين، الخ) لهذا الحدث الذي لطالما اعتُبر ملتقى للأفكار السينمائية وفضاءً يعكس ما يجري في العالم، وأحياناً ينعكس عليه بشكل سلبي، كما كانت الحال العام الماضي مع تداعيات "طوفان الأقصى". 

19 فيلماً طويلاً ستتنافس في الأيام المقبلة ضمن المسابقة الرسمية، في تشكيلة أعمال تتنوّع بين إنتاجات من أوروبا، الأميركتين الشمالية والجنوبية، آسيا، وغيرها من المناطق التي ستعطينا آخر أخبارها من خلال الشاشة. وبينما يبدو بعض الأسماء غير مألوف للجمهور العريض، فإن النقّاد يعوّلون على اكتشاف مواهب واتجاهات جديدة، من خلال هذا المنبر الذي تباهى دائماً بأنه الأكثر انحيازاً إلى السياسة بمفهومها الضيق. 

البرليناله، المعروف لكونه أكثر مهرجان يُقبل عليه الجمهور، يواجه مرحلة انتقالية بعد سلسلة من الأزمات. الإدارة الفنية انتقلت إلى الأميركية تريشا توتل بعد فترة صعبة قادها الإيطالي كارلو شاتريان طوال خمس دورات، قبل ان يستقيل تحت الضغط، إثر انتقادات بالمساهمة في انهيار مستوى المهرجان، تزامنت مع أزمات داخلية، بالاضافة إلى حظّه السيئ في تسلّمه أول دورة مع بدء الجائحة. توتل، المعروفة بدورها في تطوير مهرجان لندن السينمائي، ستسعى على ما يبدو إلى إعادة تشكيل هوية البرليناله وانقاذ كيانه المهدد، مع ما يعني ذلك من تحديات كثيرة، في زمن ما عاد للأشياء المعنى نفسه الذي كانت له من قبل. ولكن، هل ستكون على مستوى المسؤولية؟

الدورة الحالية تراهن على أفلام ذات مواضيع سياسية واجتماعية تتناول قضايا الهوية، الهجرة والتغييرات المناخية وغيرها من الشؤون المتصلة بالواقع. رغم غياب القامات الكبيرة التي عادةً ما تذهب إلى كانّ والبندقية، هناك حديث عن أعمال قد تحمل مفاجآت سارة، خاصةً مع ازدياد الاهتمام بالأفلام المستقلة من خارج دائرة الإنتاج التقليدي.

الجمهور يظل العنصر الأهم في البرليناله، حيث سجّل العام الماضي أكثر من 447 ألف زيارة لقاعات العرض. وربما بسبب أحوال الطقس القاسية، يبقى الجو العام بعيداً من البريق الهوليوودي الذي يميز كانّ والبندقية. لكن هذا قد يكون بالضبط ما يمنح المهرجان (غير المشغول بالمظاهر) خصوصيته: التركيز على السينما باعتبارها فعل تغيير. ويبقى السؤال: هل ستنجح الدورة هذه في تجاوز أخطاء الماضي وترك بصمة مميزة تماشياً مع متطلّبات العصر وتجاوزاً لأزماته؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

الأميركية تريشا توتل، مديرة البرليناله الجديدة

 

العودة

رغم غياب الأسماء الألمانية المعتادة في المسابقة الرسمية، سيحظى المخرج الألماني توم تيكفر بشرف افتتاح الحدث بفيلمه الجديد "الضوء"، المشارك خارج المنافسة. يعود تيكفر إلى برلين بعد مرور أكثر من عقد ونصف العقد على تقديم "العالمي"، مع التذكير بأنه بدأ مسيرته في تسعينات القرن الماضي، وهو يُعتبر اليوم من أبرز المخرجين الأوروبيين الذين خاضوا تجارب سينمائية متنوعة. عرف شهرة دولية مع فيلمه "اركضي لولا اركضي". مسيرته اتّسمت بتقلّبات مثيرة، بين أفلام هوليوودية ضخمة واقتباسات وتأليف موسيقى. يبدو "الضوء" خطوة مختلفة في مسيرته، إذ يتناول قصّة لاجئة سورية تعمل لدى عائلة ألمانية وتترك بصمتها على حياة أفرادها.

رغم أن ألمانيا تستقبل منذ أكثر من عشر سنوات نحو مليون لاجئ سوري، فالسينما الألمانية لم تمنح هذه الظاهرة الاهتمام الذي تستحقّه. لذلك، يُعتبر "الضوء" محاولة جريئة للخوض في هذا النقاش. لكن، في السنوات الأخيرة، لم تكن أفلام الافتتاح في المهرجان محط إشادة نقدية، خصوصاً ان اختيارات الإدارة اتسمت باعتبارات قد تكون رمزية أكثر منها فنية. سيظل رهن تقييم النقّاد والجمهور في الأيام المقبلة، ما إذا كان تيكفر سيكسر هذه القاعدة هذا العام.

”الضوء“ لتوم تيكفر، فيلم الافتتاح

 

تحديات

هذه النسخة تأتي وسط تحديات إنتاجية في السينما الأوروبية بفعل الأزمة الاقتصادية المستمرة. بعد تعيين توتل مديرة وحيدة للمهرجان، عقب فشل نموذج الإدارة المزدوجة في عهد شاتريان/ريسنبيك، توقّع كثيرون أن يشهد الحدث السينمائي الأبرز في ألمانيا تحولات جذرية.

جاءت توتل محمّلة تطلعات لإعادة هيكلة البرليناله وتوجيهه نحو سينما أكثر جذباً لجيل جديد من المخرجين والجمهور. ورغم هذه الآمال، لم تظهر حتى الآن سوى تغييرات محدودة تقتصر على تعديلات طفيفة. المسألة هنا ليست مجرد اتخاذ قرارات ثورية، بل التعامل الحذر مع مؤسسة ثقافية متجذّرة في تقاليد تمتد لعقود. من بين التحديات الكبرى التي تواجه توتل، إعادة ثقة الجمهور بالمهرجان بعد الانتقادات التي طالت إدارته السابقة بسبب غياب التوازن بين الأفلام الجماهيرية وسينما المؤلف، فضلاً عن أزمات سياسية أضعفت صورته.

بعد عامين ترأست فيهما فنّانتان من الولايات المتحدة لجنة التحكيم، يأتي المخرج الأميركي تود هاينز هذا العام لقيادة اللجنة، في واحدة من أصعب المهام. مع أكثر من 130 فيلماً طويلاً في مختلف الأقسام، يدور الرهان حول قدرة المهرجان على إعادة ابتكار هويته وتجاوز الأزمات والخروج بصيغة تليق بأهمية البقعة الجغرافية التي يجري فيها. 

الأميركي تود هاينز رئيس لجنة التحكيم

 

أفلام متنافسة

المسابقة التي سيتم اختيار الجوائز منها، عبارة عن تشكيلة متنوعة من الأفلام، تتضمّن أعمالاً لمخرجين معروفين وآخرين يسعون إلى إثبات أنفسهم. أبرز هذه الأعمال: "بلو مون" للأميركي ريتشارد لينكلايتر الذي يأتي برؤية سينمائية جديدة تجمع بين الموسيقى والدراما، متناولاً سيرة كاتب الأغاني الأميركي لورنز هارت. الفيلم يضم مارغريت كويلي وإيثان هوك في الأدوار الرئيسية. "أحلام" للمكسيكي ميشال فرنكو. فيلم عن قصّة راقص باليه مكسيكي يسعى إلى تحقيق الشهرة في الولايات المتحدة. يتعاون فرنكو مجدّداً مع النجمة جسيكا تشاستاين بعد عمله معها في فيلمه السابق "ذاكرة". الدراما تتصاعد عندما يكتشف البطل أن وصوله إلى أميركا يخربط استقرار حياة حبيبته. "كونتيننتال 25" للروماني رادو جود، المعروف بنهجه الجريء في تناول القضايا الاجتماعية، وها هو يقدّم رؤية نقدية جديدة من خلال مزيج من الدراما والكوميديا، مناقشاً مواضيع جادة بأسلوب عبثي ساخر.

هناك أيضاً أحدث أفلام الكوري هونغ سانغ سو العائد إلى برلين بعد مشاركات عدة فيها، حصد بعضها جوائز. والفيلم ما هو سوى تسكّعات شاعر. أخيراً، سنشاهد "يونان" لأمير فخر الدين، المخرج الذي يأتي من الجولان. الفيلم من بطولة هانّا شيغولا وجورج خبّاز ويحكي عن منير الذي ينتقل إلى جزيرة لاتخاذ قرار مصيري، حيث يلتقي بفاليسكا. يستكشف الفيلم العلاقات الإنسانية بالكثير من الحميمية.

”يونان“ لأمير فخر الدين يتسابق على ”الدب الذهب“

 

أعمال منتظرة

بعيداً من المسابقة الرسمية التي تظل مركز الاهتمام الإعلامي، هناك الكثير من الأعمال التي ستجد جمهورها في أقسام أخرى تأتي برؤى غير تقليدية. من بين الأفلام المنتظرة خارج المنافسة، يبرز فيلم "ميكي 17" للكوري الجنوبي بونغ جون هو، الذي سبق أن أثار الاهتمام مع "بارازيت"، بعد نيله "سعفة" كانّ. هذه المرة يتّجه إلى الخيال العلمي، مستوحياً عمله من رواية لإدوارد أشتون. الفيلم يضم روبرت باتينسون ويستكشف موضوعات الحياة والهوية في سياق مستقبلي. غياب هذا الفيلم عن المسابقة يثير استغراب البعض، خاصةً بالنظر إلى الثقل السينمائي الذي يحمله اسم المخرج الكوري.

في خطوة لتعزيز حضور المواهب الصاعدة، أطلق المهرجان قسماً جديداً بعنوان "برسبكتيف"، الذي يحلّ محل قسم "لقاءات". هذا القسم يفتح الباب أمام التجارب الإخراجية الأولى ويمنح مساحة للأصوات السينمائية الجديدة. من بين الأعمال المنتظرة فيه: "المستعمرة" للمصري محمّد رشاد، الذي يستعرض حياة شاب إسكندري يتولى مسؤولية عائلته بعد وفاة والده، في سردية تجمع بين المأساة والبحث عن الذات. وستواصل أقسام عريقة مثل "فوروم" و"جيل" الحفاظ على هويتها التحريرية التي تدعم سينما ذات لمسات تجريبية ومستقلة، في حين ينتظر الجمهور اكتشافات مثيرة ضمن قسم "بانوراما"، الذي يضم 24 فيلماً هذا العام، ما بين قصص ملهمة وأعمال تستكشف قضايا اجتماعية وسياسية شائكة.

أخيراً، ستكون الممثّلة البريطانية تيلدا سوينتون تحت الأضواء، اذ ستُمنح جائزة "الدبّ الفخري" عن مجمل أعمالها. هذا التكريم يأتي بعد دورة شهدت احتفاءً بمارتن سكورسيزي، في تقليد يسعى المهرجان للحفاظ عليه.

البريطانية تيلدا سوينتون، مكرمة الدورة الـ75

 

 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت