ثقافة 17-02-2025 | 08:58

محمد الشاذلي يتأمل العالم بذاكرته!

هكذا تبدو الذاكرة أداة لاستحضار ما كان، أو تماهيا مع نوستالجيا قابعة في النقطة الأعمق من الروح، أو أداة لمقاومة واقع اجتماعي صديء، أو وسيلة لبلوغ مدى أوسع من التحليق. 
محمد الشاذلي يتأمل العالم بذاكرته!
القاهرة في لوحة محمد عبلة
Smaller Bigger

تشكل الذاكرة جوهر المجموعة القصصية "صديقان وفتاة ميتة" للكاتب المصري محمد الشاذلي، الصادرة في القاهرة حديثاً (الهيئة العامة لقصور الثقافة)، وتشكّل مساحات التقاطع بين الماضي والحاضر جانباً أصيلاً داخلها. 

 

هكذا تبدو الذاكرة أداة لاستحضار ما كان، أو تماهياً مع نوستالجيا قابعة في النقطة الأعمق من الروح، أو أداة لمقاومة واقع اجتماعي صديء، أو وسيلة لبلوغ مدى أوسع من التحليق. 

 

وفي كل هذا، تتجلى ملامح المجموعة بتكنيكاتها التي تختلف باختلاف التيمات والطروحات، ومن ثم تتغير وضعيات السارد داخل القصص، من الحكي بضمير المتكلم في قصص من قبيل "صديقان وفتاة ميتة/ سامي طه"، إلى الحكي بضمير الغائب في "العجلة"، إلى استخدام ضمير المخاطب في "اشتياق".

 

 


 

كتابة حميمة 
من منطقة حميمة يبدأ محمد الشاذلي مجموعته القصصية "صديقان وفتاة ميتة"، ففي القصة الأولى التي تحمل المجموعة اسمها، تبرز تقاطعات الماضي والحاضر، وفي المساحات المشتركة بينهما يتحرك السرد من خلال استدعاء "سهير" الفتاة القادمة من مدينة المحلة الكبرى لتلتحق بكلية الإعلام، في جامعة القاهرة، ثم تذوب في زحام العاصمة، وشوارعها، وتفاصيلها التي لا تنفد، غير أنها، أي سهير، تظل دوما علامة على ذكرى جامعة بين صديقين يحاذران الحديث المباشر عنها، بما يشي بأن لكل منهما حكايته معها. 

 

وفي مقهى الحرافيش تتجلى تأثيرات الذاكرة، وتبدو العلاقة الحذرة بين الصديقين القديمين، وقد صار جلّ ما يجمعهما بعض التفاصيل الغائمة عن حياة سهير وموتها.

أصداء الذاكرة
 وفي "سامي طه"، يبحث السارد عن أي صدى للذاكرة في ما يرويه سامي طه، مستشار المؤسسة التي يريد السارد الالتحاق بإحدى وظائفها، ومثلما تخون الذاكرة السارد دائماً، يبدو سامي طه مغرقاً في التفاصيل عن حياة السارد الماضية، ورفاقه، وأصدقائه في مقهى الحرية في باب اللوق. 

 

وتتكيء قصة "البحث عن حمدي الجن"، على مراوحات الذاكرة أيضاً، وجدل الاسترجاع واللحظة الراهنة، والأمكنة المتعددة، حيث حارة العطوف، وشوارع القاهرة القديمة... إنها رحلة في الذاكرة والمكان معاً انطلاقاً من ظلال اجتماعية صدئة وبحث عن أمان مبتغى.

 

في "العجلة" ثمة مفارقة ساخرة في قصة تنطلق من لحظة فارقة ومأسوية في عمر الأمة المصرية وهي ضرب العدو الصهيوني مدرسة بحر البقر. 

 

وعبر تيمة الارتحال التي تعد تيمة مركزية في المجموعة، تأخذ كل قصة بعداً فنياً ورؤيوياً مختلفاً، فتارة يكون الارتحال في الذاكرة كما القصص السابقة، وهنا ارتحال مكاني في لحظة السرد الراهنة، إذ يذهب الأب لأخذ ابنته نوال من مدرستها، مستقلاً دراجته، أو "العجلة" التي تعد أداة تحفيز الفعل السردي هنا. 
تبدو قصة "اليوناني" تعبيراً جمالياً عن الموزاييك المصري المتنوع، والخلاق، عبر رحلة الخواجة اليوناني جورج يوردانيدس.

 

ومن لحظة متوترة درامياً يبدأ الكاتب قصته "تحية"، ثمة منزل للسيدة تحية ينهار، وهي داخله، ومعها خادمتها شيماء، وحينما تنجح محاولات إنقاذها من شابين يرتبطان بعلاقة عاطفية مع الخادمة، لتصبح نظراتها مليئة بالتعاطف والندم بعدما كانت تنظر اليهما جاريها بكبرياء.

 

 الفتاة الرقيقة "علياء" تصبح مركزاً للسرد في قصة "باليرينا"، إذ ثمة حياة مضنية يتداخل فيها العرض الراقص، مع المأساة الشخصية التي تفضي إلى موتها. 

 

وتصبح سردية أم كلثوم متنا لقصة "أطلال"، التي تجعلنا على حافة عالم يقاوم النسيان، وتصبح عوالم الكتابة والنشر مركزاً في قصة "كل ما هنالك"، الذي يعد عنواناً لكتاب يصدره الراوي ثم يخشى من تبعاته، في مفارقة مأسوية. وتختتم المجموعة بقصة "خيبات لا تحكى"، في عنوان يعتمد على تكنيك الدلالة الضدية، حيث كل المأساة قد جرت روايتها.

 

هذه المجموعة ممتعة جمالياً، تجعل الذاكرة أساساً لرؤية العالم، وتأمل مصائره، وشخوصه، وتحولاته التي لا تنتهي.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان