
تُكتَبُ سنويًا عشراتُ الروايات العاطفية أو "الرومانسية" بكلّ لغاتِ العالم، بحبكاتٍ كثيرا ما تكونُ تقليدية ومكرّرة حتى أصبحَ القارئ ينفرُ منها ويمتنِعُ عن اقتنائها وقراءتها. أصبح من الصعبِ عليه أن يعثر على رواية حب تستحقُ القراءة حقًا، رواية حب قوية، مكتوبة بطريقة مختلفة وفنيات عالية ومواضيع عميقة، ممتعة ومناسبة للبالغين في الوقت نفسه. في هذا المقال نقترحُ على القارئ مجموعةً من رواياتِ الحب التي كُتِبَت بذكاء، ونالت تقييمات عالية من القراء في العالم العربي وبقية دول العالم. سنقترح على القارئ، أعمالاً من اليابان، المكسيك، النرويج، المغرب، والبيرو... وسيجدُ في هذه الروايات ثيمات متنوعة بين العلمية والنفسية، السياسية والتاريخية.
قلعة في البيرينيه
رواية للكاتب النرويجي جوستاين غاردر، وهو أستاذ الفلسفة الذي يسعى دائماً في رواياتهِ الأدبية إلى أن يمرّر الأفكار والمفاهيم الفلسفية بأساليب مُبسّطة للقارئ العاد. الرواية عن عاشقين يتقابلان صدفةً بعدَ ثلاثينَ سنة من القطيعة في المكان الذي افترقا فيه، ليتّفقا على التواصل عبر رسائل إلكترونية يتمّ حذفها فوراً بعد قراءتها، احتراماً للخصوصية والحياةِ العائلية لكلٍ منهما، يجد القارئ نفسه بين ثنائيّ مثقّف، رجلٌ وامرأة يتناقشان بعمقٍ وهدوء عن تساؤلاتِ بدايةِ الخلق والوجود والروح والانفجار الكونيّ والنظريات الفيزيائية والفلسفيّة.
امرأة روحانية تجد طمأنينتها في أن تكونَ مؤمنة وقدَرية ورجلٌ عقلانيّ متمّسك بالعلمِ ونظرياتهِ، يأخذاننا في رحلةٍ فكرية ومعرفيّة ممتعة، لنتأمّل أفكار كلّ منهما المتناقضة عن الصدفة والقدر، الدين والعلم، الإيمان والإلحاد، الطبيعة والحياة بعد الموت. الرواية صدرت عن "دار المنى" وترجمتها سكينة إبراهيم.
عطشُ الحب
رواية للكاتبِ الياباني يوكيو ميشيما تروي حياةَ أسرةٍ بسيطة في الريفِ الياباني. ومن جمالياتِ وصفِ الروائي للأمكنة، تجعلكَ تفكّر في ترتيب رحلةٍ إلى اليابان، تعرضُ الروايةُ بساطةَ اليابانيين في عيشِ حياتِهم وتمسّكهم بالتقاليد، إضافةً إلى طبيعتهم الكتومة والحذِرة في التعبيرِ عن مشاعرهم.
يتعرّفُ القارئ على شخصيةِ البطلة "إيتسوكو" المكتملة بتفاصيلِها، وهي من الشخصياتِ الروائية التي لا تُنسَى، وتكفيك قراءة واحدة لتتذكّرَ انفعالاتِها النفسية على امتدادِ صفحاتِ الرواية. "إيتسوكو" أرملة حسناء حزينة، تتعطشُ إلى الحب والاهتمامَ بعد وفاةِ زوجِها الذي لم يكن زوجاً صالحاً ولا عاشقاً جيّداً. على عكس ذلك، خيّب ظنّها بإهمالهِ وخياناتهِ. تعيشُ الأرملة الجميلة مع والدِ زوجها وتصبح مفتونةَ بخادم اسمه "سابورو". الرواية تحكي عن حاجة الإنسان إلى العاطفة والمحبّة والاهتمام، عن المشاعرِ الصامتة التي لا يمكن البوح بها، مثل الغيرةِ المؤلمة، الإحساسُ بالعجز، القسوة، وإيذاء الذات بسببِ الاختناق بكلّ تلك المشاعرِ المكتومة والمكبوتة. الرواية صدرت عن دار الآداب وترجمها محمد عيتاني.
كالماءِ للشوكولاتة
رواية للكاتبة المكسيكية لاورا إيسكيبيل. تحفة أدبية لذيذة من رواياتِ الواقعية السحرية، تفتحُ شهيةَ الذهنِ والبطن معاً، بما تصفه من وصفاتِ أكلٍ متنّوعة، معظمها محلية وقديمة توارثتها الحفيدات عن الجدّات. الرواية تعرّف الثقافة المحلية المكسيكية، ويجدُ فيها القارئ الاحتفاءَ بالحب والشغف والطعام والخيال، عن شابةٍ اسمها "تيتا" من عائلةِ "لا غارثا"، وهي آخر العنقودِ من الفتياتِ لأمٍّ متسلّطة تجبرها على الخضوعِ للتقاليد العائلية، وتحرمها من الزواجِ والارتباط كي تقومَ بواجب رعايتها حتى وفاتِها. تُغرمُ تيتا بشابٍ اسمه بيدرو، وينطلقُ السردُ مثل سهمٍ بأحداثٍ متسارعة ومشوّقة، يلاحقُها القارئ كي يعرفَ النهاية. الرواية عن دار رؤية، ترجمها صالح علماني.
تشريح الرغبة
رواية للكاتبة المغربية ريم نجمي، صدرت عن الدار المصرية اللبنانية. رواية كُتِبَت بلغةٍ شاعرية آسرة في قالبِ رسائل متبادلة بين ثلاث شخصيات، يوليا الألمانية الخمسينية طليقة عادل الكاتب المغربي، الذي قرّر الانفصال عنها بعد علاقة زواج دامت ربع قرن؛ وجوري الطالبة السورية التي يِغرَمُ بها عادل. تعرضُ الرواية الصراع والاختلافات بين الثقافة الغربية الأوروبية، التي تمثلها "يوليا"، والثقافة العربية الشرقية التي يمثلها "عادل". تستخدم فيها تقنية الفلاش باك في كتابةِ الرسائل الإلكترونية، في سردٍ متواصل تقوم خلاله الشخصيتان بتشريحِ العلاقةِ بعدَ انتهائها كما لو كانا يقومان بتشريح جثّة! يتأمل -كلّ منهما من وجهةِ نظره- مراحل ميلاد العلاقة إلى غايةِ موتها وتعفّنها، من البداياتِ الساحرة والشغف المجنون إلى رتابةِ الروتين والخلافاتِ المتراكمة يوماً بعد يوم، إلى التجريح والإهانات المتبادلة وما يأتي بهِ الطلاقُ من عداوةٍ وأحقاد.
ولعلّ أقوى ما في هذهِ الرواية هي استقلاليةُ أصواتِ شخصياتِ هذه الرواية، حيثُ برعت الكاتبة في جعلِ القارئ يفاجأ كل مرة بحججِ كل شخصية وقدرتها على الإقناعِ من خلال كشفِ المشاعر والأحداث من زوايا مختلفة.
شيطنات الطفلة الخبيثة
رواية للكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا المعروف بتمّرده وجنونهِ في الإبداعِ وتجريب تقنيات سردية جديدة إلى حدّ الابتكار. هذه الرواية النفسية قد تكونُ بسيطة في بنيتِها السردية، لكنّ قصتها مُحيّرة ومُعّقدة، وتلخّص علاقة عاطفية مضطربة بين شاب اسمهُ "ريكاردو"، يعملُ مترجمًا في الأممِ المتحدة، يروي عن هوسهِ المرضي بامرأةٍ تشيلية، عرفها وهي مراهقة في مدينةِ ليما. تلك البطلة التي أغرمَ بها، ويصفُها بالطفلةِ الخبيثة، اختفت لمدّة عشر سنواتٍ كاملة لتظهر في شبابِها في مدينةِ باريس، ثم يقضي ريكاردو ما تبقى من حياتهِ يتابعها ويبحث عنها في كل مكان، وكلّما عثر عليها وظنّ أنّ هذهِ المرّة امتلكَها تختفي منه فجأةً، وقد ينتظر سنواتٍ أخرى حتى يعثر عليها ويقابلها مجددًا.
رواية تروي عن الهوس المرضي، ونزعةِ العاشق أحياناً لأن يكون مازوشياً لمحبوبته التي لا تعترفُ بالحبِ حقاً، وتعيش كي تحقق أهدافًا واضحة تتمثل بالنجاحِ المادي والاجتماعي. يأخذنا يوسا في هذه الرواية إلى فضاءات متنوعة، من ليما، إلى فرنسا، فإسبانيا وبريطانيا، إلى جانب سردهِ لتفاصيل مرحلة سياسية حسّاسة في دولةِ البيرو بعد الانقلابِ العسكري. الرواية صدرت عن دار المدى بترجمة صالح علماني.
جنوب الحدود، غرب الشمس
رواية للكاتبِ الياباني هاروكي موراكامي. رواية "رومانسية" بديعة، تروي قصةَ "هاجيمي"، الرجل الناجح مهنياً وأسرياً الذي لا ينقصهُ شيء سوى أن يكونَ سعيداً! ثمّة سعادة مفقودة يشعرُ بأنّه محرومٌ منها، وذلكَ الحرمان يسبّبُ لهُ نقصاً فادحاً في إحساسهِ بالرضى والاكتمال.
تروي الشخصيةُ تفاصيل طفولتِها، وكيف كان هاجيمي طفلاً وحيدًا وليس لديه سوى صديقة واحدة في المدرسةِ الابتدائية، اسمها "شيماموتو"، تعاني مرضِ شلل الأطفال، فيساعدها ويقضي معها أوقاتَ الفراغ في الإصغاءِ إلى موسيقى "نايت كينغ"؛ وإحدى الأغنيات المسموعة "جنوب الحدود" هي التي حملت عنوانَ هذه الرواية. يعيش هاجيمي صراعاً ذاتياً بعد استقرارهِ الأسريّ بين أن يكونَ أنانيًا في خياراتهِ ويسعى إلى تحقيق سعادتهِ الفردية بالعودةِ إلى حبيبةِ الطفولة، وبين أن يكونَ مضحياً فيحافظ على فكرةِ العائلةِ التي يصعبُ عليهِ تشتيتها لأجلِ احتياجاتٍ عاطفية. الرواية ترجمها صلاح صلاح وصدرت عن دار المركز الثقافي العربي.