ثقافة 31-01-2025 | 21:32

السينما السورية... الهروب من البروباغندا مهنة شاقة!

يفرج المخرج أسامة محمد عدسة كاميرته معلناً العودة إلى الوطن بعد 14 عاماً من الغياب، عودة سبقها إقصاؤه لسنوات طويلة مع إنجازه فيلم "نجوم النهار" الذي منعه حافظ الأسد عام 1988. يصوّر الفيلم قصة اغتصاب السلطة والوطن عبر حكاية عرس رمزية من إحدى قرى الساحل السوري، وتمكن السوريون من مشاهدته أخيراً في صالون دمشق السينمائي.
السينما السورية... الهروب من البروباغندا مهنة شاقة!
من فيلم الأخوين ملص
Smaller Bigger

يفرج المخرج أسامة محمد عدسة كاميرته معلناً العودة إلى الوطن بعد 14 عاماً من الغياب، عودة سبقها إقصاؤه لسنوات طويلة مع إنجازه فيلم "نجوم النهار" الذي منعه حافظ الأسد عام 1988. 
يصوّر الفيلم قصة اغتصاب السلطة والوطن عبر حكاية عرس رمزية من إحدى قرى الساحل السوري. وأخيراً، تمكن السوريون من مشاهدته في صالون دمشق السينمائي.

فيلم الأخوين ملص

 سقوط النظام أعاد إلى الواجهة كثيراً من أفلام ونصوص منعت سابقا، بدءاً من الأفلام التي قدمتها مؤسسة السينما وصولاً إلى سينما معارضة بديلة نشأت في ظروف استثنائية حادة دمغت هذه الأفلام بظرف إنتاجي معقد محدود ويتطلب تعدد جهات التمويل نظراً للكلفة الإنتاجية. 

لذا أغلبها اتجه نحو الأفلام القصيرة في ظل الصعوبات الإنتاجية، وأحد أكثر الأفلام بروزاً هو "أحدنا غادر الصورة" للأخوين أحمد ومحمد ملص الذي قدم معالجة بدائية للحدث السوري، في محاولة أولى "بسيطة وشديدة المباشرة" عقب عقود من احتكار المشهد السينمائي داخل أروقة مؤسسة السينما وفي وزارة الثقافة من مخرجين محددين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين.

أفلام ملص ومعظم السينمائيين الروائية أشبه بتعلم أبجدية الفن السابع من العدم باجتهاد فردي يفر من أحادية سردية السلطة، الأخوان ملص اللذان عادا الى الوطن أخيراً أنتجا أفلاماً عدة يُختلف على تقييمها، بخاصة أن هناك من يرى أنها ركبت موجة سياسية  وحصلت على جوائز بسبب ذلك. 

الواقع كما هو

الشرط الفني يخرج بعض أفلام الأزمة من هامش المقارنة كلياً، هناك أفلام ناجية مثل "عزيزة" للمخرجة سؤدد كعدان، الفيلم الذي استند على رؤية فنية "مكررة" تلعب على تيمة النوسنتالجيا لزوجين يستعيدان شريط ذكرياتهما في دمشق من بطولة كاريس بشار وعبد المنعم عمايري، خارج البروباغندا والاستقطاب السياسي. 
ويعدّ فيلم "الخيمة 56" من أبرز الافلام التي وضعت الحالة السورية كما هي وشطب سردية المعارضة والموالاة معاً بخاصة أنه أثار حفيظة المعارضة لتناوله الحاد موضوع الجنس لدى نازحي المخيمات، مع عبارة طريفة عن امرأة تطالب بخيمة خاصة لتمارس فيها الجنس وزوجها بعيداً عن أعين أولادها. 
يضع العمل في عمقه البصري الحالة اللاإنسانية التي سجن فيها كثير من السوريين في مخيمات بائسة، يتعامل معها بواقعية فنية أخّاذة بلا تطويل سردي وبأداء يحسب لنوارة يوسف وصفاء سلطان وإخراج سيف الشيخ نجيب ونص سندس برهوم. 
الفيلم بقايا حلم سوري بخصوصية تشبه فسحة أمل داخل حفرة، في ظرف "غير بشري" يحاولون التكيف معه. 

 

في السياق نفسه تبرز الأفلام التي تمكنت من خلق شرطها الفني وفرادتها بعيداً عن الحشو مثل فيلم "الحبل السري" للمخرج الليث حجو والكاتب رامي كوسا.

فيلم ينحاز للإنسان فقط وينطلق من بيئة الركام ليجعل منه مكاناً راهناً للحدث السوري وحكاية ولادة حلم وسط الموت. تنجح الأفلام التي تبني على الوجع الإنساني في الهروب من بازار التصنيف السياسي، وأقله لا تشترط على أبطال العمل أيّ مواقف، يصبح عملاً فنياً حرّاً عابراً للزمن، بعكس أفلام البروباغندا المتقادمة لكونها اتكأت على حدث زمني معين وارتبطت به.

الدعاية في مؤسسة السينما
بدورها أفلام مؤسسة السينما قيدت برؤية ضيقة- مهما حاولت التوسع وابتلاع الآخر ودمجه في رؤية فنية واحدة- أبرز الأفلام التي حملت بروباغندا خارقة وفق منظر "السوبر هيرو". منها أفلام نجدت إسماعيل أنزور وبخاصة فيلمه عن داعش "فانية وتتبدد"، فيلم دعائي ينتمي لدعاية حقبة الحرب الباردة في تقديمه لبطولات الجيش العربي السوري، قبل أن يتم حلّه ويفرّ رئيسه ليتركه وحيداً في مواجهة آلة دعائية متقادمة سقطت بحكم الفساد الدموي، فساد دمّر الوطن والجيش بسنوات قبل سقوط النظام الذي ادّعى محاربة التطرف!
التورية سلاح مخرجي المؤسسة، كلما ازدادت التورية كلما نفّذ المخرج برؤيته الفنية، أغلب ما أنتج يقع تحت خانة الدعاية قليل منها من نفد من تبعاتها الحتمية، مثل فيلم المخرج محمد عبد العزيز "الرابعة بتوقيت الفردوس"، ولا يخلو بدوره في بعض مشاهده من رسائل سياسية مقحمة كالتي يسوقها مجد فضة في سيارة تهرب به من الوطن إلى بلد آخر. 
لكنه فنياً نجح في وضعنا جميعاً داخل مستشفى ضخم في هذيان يرتبط بماض منفتح على الألم يؤديه أسعد فضة الرجل الذي سيقدم على الانتحار في الفيلم وسط كل السواد والفساد السرطاني المحيط، وحكاية أخرى للكوريوغرافر بجسد حر ستهدي جندياً على الحاجز رمانة وتمضي لتموت في تفجير عبثي يحصد الجميع. 
كل تلك الرسائل الفنية شكلت معالجة فنية مختلفة لما اعتادت مؤسسة السينما تقديمه للجمهور بمخرجيها المعدودين على أصابع اليدين لسنوات طويلة من عمر النظام البعثي الذي "اكتشف مؤخراً" ضرورة وجود معهد خاص بالسينما مثلاً، ينفد أيضاً من بروباغندا السلطة سواء أكانت معارضة أم موالاة.
المخرج باسل الخطيب في فيلم "مريم"، تناول في سرد بصري ساحر الاحتلال الإسرائيلي، واتكأ على خبرته في صنع سينوغرافيا باهرة تمسك بالعدسة جيداً وتقدم في مشهد واحد وثوان قليلة دفقاً زمنياً يختزل مئة عام من وهم الاستقلال والانتقال من احتلال فرنسي إلى إسرائيلي - مشهد عابد فهد وهو يدفع البيجو العتيقة من المشاهد التاريخية بحق في السينما السورية عن تركة سايكس بيكو ومخلفات الاحتلال. هنا تنفد الحكاية إلى المشاهد وتتسلل بلا خطب وأمثولات وطنية معدة للبيع في دكاكين السياسة الضيقة. 
المشهد السينمائي السوري مرتبك بأعوامه الماضية، فالمعارض منهم لم يمتلك تمويلاً كافياً لبناء فيلم روائي طويل "مثلاً" يقصّ حكاية الوجع والتيه السوري، والموالي منهم ابتلع النظام لسانه وصادر حتى حكايته. 
اليوم مع سقوط النظام ثمة سينما منتظرة؛ سينما حرة بأفق مختلف.  

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".