نصف قرن على رحيله... فريد الأطرش حارس الموسيقى الشرقية ومجدّدها

ثقافة 28-12-2024 | 17:33

نصف قرن على رحيله... فريد الأطرش حارس الموسيقى الشرقية ومجدّدها

نصف قرن على رحيله... فريد الأطرش حارس الموسيقى الشرقية ومجدّدها
فريد الأطرش
Smaller Bigger

كانت المسافة بين جبال سوريا الشامخة (جبل العرب) والقاهرة طويلة وشاقة قطعتها الأميرة علياء المنذر مع أطفالها هرباً من بطش الاحتلال الفرنسي، لكنها توجت بإهداء "الشرق" واحداً من أفضل موسيقييه هو فريد الأطرش؛ لتشكل تلك الرحلة انعطافاً في مسيرته من أمير ينحدر من عائلة عريقة مناضلة إلى موسيقار فذّ لُقب بـ"بلبل الشرق" و"ملك العود"، الذي ظل نجماً لا يأفل رغم مرور نصف قرن على رحيله عام 1974.

 

طفولة قاسية
 لجأ فريد وعائلته إلى مصر عام 1924 جراء اندلاع الثورة السورية في جبل الدروز بقيادة عمّه سلطان باشا الأطرش ضدّ الاستعمار الفرنسي، واحتضنتهم القاهرة كلاجئين سياسيين تحت رعاية الحكومة المصرية برئاسة سعد زغلول. ولكن انقطعت المعونة بعد تولي حكومة مناهضة لحركات التحرر فلم يجدوا كفاف يومهم، فاضطرت والدته للعمل في مهن متواضعة منها التطريزوالمشغولات اليدوية. 
حمل الطفل «فريد» على كاهله عبء الغربة والشتات بوصفه الابن الأكبر، لكنه اتسم بالصلابة كصخر الجبال التي غادرها صغيراً، فعمل في توزيع الإعلانات وبيع الأقمشة. 
امتلك عزة نفس وكبرياء فلم يخجل من بدايته وهو"الأمير" الذي سكنت عائلته القصور، إيماناً منه أن العمل شرف والعيب أن يكون عالة على أحد، ومع ذلك ظلت رواسب تلك الأيام ثقيلة على نفسه واعتبرها أحد أسباب مرضه.
اتضحت موهبته خلال دراسته في مدارس الفرير الفرنسية التي تنشد فيها تراتيل دينية فأعجب "الفتى الصغير" بنغماتها وأنشدها، وأبلغ معلموه والدته بموهبته فألحقته بمعهد الموسيقى العربية، وكانت والدته ذات صوت عذب وهاوية عزف على العود، ومنها تعلم فريد عزفه وورث حب الغناء.
كان مثابراً تواقاً للنجاح، بدأ العمل كوكمبارس وتلحين الاسكتشات في فرقة بديعة مصابني، والغناء في الإذاعات الأهلية، ويُعد عام 1934 نقطة تحول في حياته حيث وصل في عزف العود الى درجة احترافية، واكتشفه أستاذه مدحت عاصم، ومنحه فرصة الغناء في الإذاعة المصرية. 
شكلت أولى أغنياته "ياريتني طير" و"بحب من غير أمل" نقطة ارتكازه وشهرته، لصياغته أغنياته بأسلوب جديد متأثرا بإيقاع التانغو، فقفز الى مصاف مطربي الدرجة الأولى.

 

حارس الموسيقى الشرقية
كان الأطرش مهموماً بالحفاظ على التراث وتطويره، وتجديد الألحان الشرقية عبر إخضاع وتطويع الآلات الغربية دون اقتباس أو تقليد لإيمانه بخصوصية نغم الشرق، طامحاً الوصول بها إلى العالمية؛ لذا اعتبر "حارس الموسيقى الشرقية". 
ألحانه تخطت حدود العالم العربي، فاستعان قائد الأوركسترا الفرنسي فرانك بورسيل بأربع مقطوعات شهيرة له هي"حبيب العمر"، و"نجوم الليل"، و"ليلى"، و"زمردة"، وبيعت أسطواناتها في أوروبا وأميركا، وغنت له داليدا ومايا كازابيانكا. 
وحظيت أغنيته "يازهرة في خيالي" التي أبدعها على إيقاع التانغو بشهرة عالمية وغُنّيت بلغات عدة، وروى الناقد السينمائي طارق الشناوي أنه فوجئ بالأغنية التي مرّ عليها أكثر من 77 عاما تُغنى أوزباكستان خلال إحدى الحفلات على هامش مهرجان (طشقند) السينمائي الدولي.
أدى "فريد" كل الألوان الغنائية باللهجات العربية كافة، وامتلك صوتاً عريضاً يشوبه شجن أقرب للبكاء، وصاغ ألحانه لكبار مطربي ومطربات عصره، وتميز بإحساسه الفائق، فكان يلحن ويغني بقلبه وفقاً لوصف الشاعر مأمون الشناوي، وقال عنه عميد الأدب العربي طه حسين: "فريد في أغنية "الربيع" جعلني أبصر وأنا أعمى".

ملك الفيلم الاستعراضي
شكلت الفترة بين عامي (1924- 1940) سنوات عصيبة على الأسرة المهاجرة، وانفرجت أوضاعها عبر السينما حين أسند له مع شقيقته أسمهان بطولة "انتصار الشباب"1941، ما دعم مركزه الفني لاحتوائه أوبريتات غنائية لحنها فريد، منها أول أوبريت في السينما المصرية "ليلة في الأندلس"، وعززت تجربته السينمائية من شهرته لحدود أكثر رحابة على مستوى البلدان العربية، وأبرزت موهبته اللحنية لاستحداثه التوزيع الموسيقي مستخدماً الغيتار والترموبيت والأورغ وغيرها، وعُد رائداً في تلحين الأوبريتات والاستعراضات الموسيقية فتوّج بلقب "ملك الفيلم الاستعراضي"، ولم ينافسه سوى محمد فوزي. 
شكّل مع سامية جمال ثنائياً فنياً ناجحاً ضمن أفلام استعراضية بينها "أحبك أنت"، و"عفريتة هانم" و"حبيب العمر"، ولكن دبت الخلافات وحدث الانفصال الفني بينهما لأن بعض العاملين في الوسط الفني روجوا أن "سامية" هي صاحبة الفضل في نجاح أفلامه عبر رقصاتها، ما استفزه وبدأ بالاستعراضية عبر "لحن الخلود" وحقق نجاحاً  كبيراً وشكل انعطافاً في مسيرته السينمائية، ولعب بطولة 31 فيلماً، بينها 17 من إنتاجه.

أحزان لا تنتهي 
ظلّل الحزن حياته، وأحدث موت شقيقته أسمهان في ظروف غامضة عام 1944 زلزالاً في نفسه أثّر على فنّه فطغى على موسيقاه الشجن بعدما ضجت بالحياة والمرح، فشكل حزنه وقوداً لإبداعه، وخلقت أوجاعه معيناً لا ينضب من الألحان الشجية، ودفعته حالته النفسية إلى إدمان لعبة القمار هرباً من أوجاعه، وأصيب بمرض القلب الذي زاد تعاسة إضافية، وكان يشتد من فترة الى أخرى فانعزل عن الناس متخذاً العود رفيقاً لوحدته.
اتسم بالحساسية المفرطة وتأثر كثيراً لعدم تلحينه لأم كلثوم، فقبل النكسة لحن لها قصيدة وطنية كتبها الشاعر اللبناني الأخطل الصغير (بشارة الخوري) التي أعجبت بها لكنّ المشروع لم يكتمل من دون أن يعرف السبب. وفاقم من حزنه استشعاره أنه يتعرض للهجوم الدائم بدون وجه حق، ويواجه حروباً فنية من بعض الفنانين المنافسين له خصوصاً عبدالحليم حافظ.

حياته الشخصية
 الحب في حياته كغيمة صيفية تقترب لتظلل قلبه لكن تتلاشى قبل أن تمطر وتزهر أوراق فؤاده، فلم تعرف حياته الشخصية الاستقرار، أشيع عنه أنه لم يتزوج لعدم ثقته في المرأة، ونفى ذلك قائلا "إنه تمنى أن ينجب ابناً يحمل اسمه وقرر الزواج من خمس نساء مررن في حياته غير أنّ ذلك لم يحدث. معتبراً أنها إراداة الله.
والمعروف أنه خاض عدداً من قصص الحب أشهرها مع سامية جمال لكنهما افترقا عام 1951، ووصفته سامية في أحد لقاءاتها التلفزيونية بأنه "حبيب العمر".
تحلى بأخلاق النبلاء وتمتع بالتواضع والطيبة ونقاء السريرة وهي صفات أقرها أصدقاؤه، وروى الفنان عبدالسلام النابلسي أنه كان مريضاً ويمر بضائقة مالية فتكفل الأطرش بعلاجه بينما فريد نفسه كان يمر بضائقة مالية، لكنه عُرف بالكرم الطائي، كما أعال عائلات من أسرته المنكوبين أثناء الثورة وما بعدها، كما اكتشفت أسرته بعد رحيله تخصيصه إعانات لـ 40 طالباً في الجامعة، وتكفله بنحو 50 أسرة بين القاهرة وبيروت.
نزعة عروبية
 فريد سوري- لبناني، فوالده من سوريا ووالدته لبنانية، بينما حمل الجنسية المصرية، وعرف باعتزازه بعروبته مردداً "اعتبر كل بلاد العرب بلادي"، وحمل امتناناً لمصر، ووصف لبنان ببلد المرح والجمال، وكانت أمنيته تحرير فلسطين واسترداد الكرامة العربية قبل موته، وانتكست حالته الصحية بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967، ودعم المجهود الحربي في مصر والأردن وسوريا، وكان صديقاً لكثير من الزعماء العرب وبينهم جمال عبدالناصر. 
كانت بيروت مستقره الأخير، انتقل إليها في منتصف الستينيات وأسس ملهى وأنتج عدداً من الأفلام، وأصيب بأزمة قلبية وفارق الحياة في مستشفى الحايك في  26 كانون الأول/ ديسمبر 1974 عن عمر (64عاماً)، لكنه أوصى بدفنه بجوار شقيقته أسمهان في القاهرة.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين