المبدع التّونسي فتحي الهدّاوي... حين يصبح الفنان رمزاً وقضية!
فتحي الهداوي
Smaller Bigger

 

كان من المتوقع أن نراه السّبت الموافق للرّابع عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024، على السجّادة الحمراء لافتتاح المهرجان الدّولي لأيام قرطاج السّينمائية وأن يملأ المكان بابتسامته المشعّة بالحبّ والسلام. وربّما توقعناه أيضاً في زيارة قريبة الى سوريا، هو الذي قال في آخر تصريحاته أنّه يتمنى زيارتها لكونها شكلّت مرحلة محوريّة في مسيرته الدرامية والسينمائية. لكنّ إرادة القدر قد تهزم فجأة توقعاتنا.
اليوم رأيناه وهو يعلو عن كلّ السجّادات ويحلّق نجما إلى مثواه الأخير.
 
فتحي الهداوي غادرنا في آخر شهور السنة، وهو شهر ميلاده، (1961) ، وذلك بعد اسابيع فقط من علاجه في المستشفى العسكري في تونس العاصمة، بحسب أحد أصدقائه
لقد حرص الهداوي على عدم نشر خبر مرضه كأنه يريد الإبقاء على صورته العالقة في أذهان محبيه، وهي صورة الممثّل الصّامد القويّ.

فتحي الهداوي هو نوستالجيا رمضان عند المواطن التونسي. هو ذاكرته وجزء من سيرته. وهو فنان من الأقلية التي أجمع عليها الجمهور من مختلف الاجيال. ثمة علاقة وجدانية بين فتحي الهداوي وكل الشرائح والفئات الاجتماعية، نابعة أساسا من عنصرين مهمين: أوّلا خصوصية الشخصيات التي تقمصها والتي تعكس نماذج من المجتمع التّونسي، وثانياً الاتّزان والطرافة في بناء الشخصيات إلى درجة التّماهي معها. ولهذا فإنه ممثّل حامل لقضيّة ومشروع وليس فقط لدور.

لقد بنى الراحل مسارا أيقونيّا منذ أن كان شابّا، وبداياته كانت في تونس وتحديدا من المسرح المدرسي و التّخصص الأكاديمي، والمرحلة الثانية هي سوريا التي فتحت له بوّابة الأعمال السينماىية التّاريخية الضخمة ومنها تجربته الكبرى مع المخرج الرّاحل شوقي الهاجري.

ومن ثمّ عاد فتحي الهدّاوي إلى تونس مع بداية الازمة السورية مصطحبا معه زوجته السورية والتي رزق منها ابنيه جميلة وآدم.

ثمّ جاءت المرحلة الثّالثة في مساره ولعلّها الأكثر اختزالا لتجاربه السّابقة. فمنذ عودته الى تونس تهافت المخرجون عليه وصار بطلاً في معظم الأعمال الدرامية. وهو تقريبا من القلة المخضرمة التي كسبت محبّة الجيل الجديد، أو ما يسمى جيل الثورة الرّقمية. وقد كسر الهداوي المدارس التقليدية في التمثيل وقدّم تصوّره الخاصّ، وممكن اعتبارها نظريّة مستحدثة تتموقع بين الكوميديا والتراجيدبا وهي غالبا امتدادا لما نسميه الكوميديا السّوداء حين يضحكنا في اللّحظة نفسها التي يبكينا فيها.

 

حاملا لقضايا قوميّة
يقول في أحد حواراته المسجّلة: "انا دائما اغرّد خارج السّرب"... وقد نرى ذلك في مواقفه الجريئة انطلاقا من تصوراته عن الوضع الثقافي في تونس وصولا الى وضعية الفنان. 
يرفض فتحي الهداوي مبدأ التّنافس مع جيله من الممثلين الكبار ولا حتى مع الجيل الذي يعقبه ولكن تمنى أن يجمعهم عملا ومشاهد حواريّة فيما بينهم مثل رؤوف بن عمر وكمال التواتي وفتحي العكاري.  فهو يهتمّ لإنتاج المعنى الوجوديّ الانسانيّ وليس الضّغائن والصّراعات الوهميّة.
معاركه الفنية هي ثقافية بالأساس. لا يعنيه من يكون الأفضل ولكن يعنيه أثر العمل الجماعيّ. لا يدخل في مشاحنات شخصيّة مع فنانين او مثقفين بل ينقاد فقط إلى الجدالات الفكريّة. لا يعنيه إن كان محاوره مبتدئا أو متمرّسا بل يعنيه إيصال الفكرة وإيجاد المعنى.
يرل الهداوي اليوم عن 63 عاما بعد تجربة فنية بلغت 40 عاما من العطاء في كلّ القطاعات الفنيّة والثقافية، واليوم تسكت كلّ الشوارع التونسيّة وتنطفئ الأضواء على اهمّ ركن في الدراما والسينما التونسية كان يؤثّثه فتحي الهداوي. 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟