بين المحبّة والهوية الوطنية!

منبر 10-12-2025 | 12:26

بين المحبّة والهوية الوطنية!

في عالمنا اليوم، تتشابك الهواجس الوطنية والثقافية والدينية وسط صراعات متواصلة على السلطة. إلا أنّ أي نظام سياسي، مهما بلغت قوّته، لا يمكن أن يستمر من دون تقديم حلول اقتصادية حقيقية تحسّن حياة المواطنين.
بين المحبّة والهوية الوطنية!
تعبيرية (مواقع تواصل)
Smaller Bigger

د. عصام ي. عطالله - استاذ جامعي، باحث وكاتب


في عالمنا اليوم، تتشابك الهواجس الوطنية والثقافية والدينية وسط صراعات متواصلة على السلطة. إلا أنّ أي نظام سياسي، مهما بلغت قوّته، لا يمكن أن يستمر من دون تقديم حلول اقتصادية حقيقية تحسّن حياة المواطنين. وغالباً ما تتحوّل هذه الحلول إلى وعود موسمية تُطلق مع الاستحقاقات الانتخابية، أو مع التحوّلات الكبرى التي تفرضها العولمة بأدواتها التقنية الحديثة، بحيث بات تحقيق الأهداف ممكناً أحياناً من دون اللجوء إلى العنف المباشر.

وسط هذه الضوضاء السياسية، يتراجع الاهتمام بالإنسان نفسه، رغم أنّه يبقى محور كل خطاب وشعار. فالإنسان، بدل أن يكون غاية، يتحوّل في كثير من الأحيان إلى وسيلة تُستَخدم لخدمة مشاريع كبرى، على حساب الهوية والوطن، عبر استثارة العصبيات الطائفية والمذهبية. وهنا يتآكل الدور الوطني الحقيقي، وتضيع الفرص، ويتراجع الاقتصاد، لأن العنصر الأهم مفقود: المحبّة.

لا نجاح من دون محبّة، حتى في السياسة والاقتصاد. لا ازدهار بلا إيمان حقيقي بالوطن، ولا تقدّم بلا انخراط فعلي في بنائه. فكيف تقوم الأوطان إذا غاب مفهوم المواطنة؟ في لبنان، يبدو هذا المفهوم ضائعاً بين إعلام موجّه، وأحزاب قد تفرّق، وثقافة مشاركة مشوّهة تختزل أحياناً في تقاسم الحصص لا في بناء الدولة. وحين تغيب الهوية، يضيع الكيان، ويضعف الوطن.

أما الدين، بجوهر رسالته، فله دور أساسي في بناء الإنسان المواطن. فالكنيسة والمسجد ليسا مجرد مكاني عبادة، بل هما منصّتا توجيه وتثقيف، لأن جوهر الأديان يقوم على كرامة الإنسان، وحقوقه، وقيم العدالة والرحمة.

وفي لبنان تحديداً، حيث تتنقّل الأزمات من باب إلى آخر، تبرز الحاجة الملحّة إلى ثقافة وطنية جامعة. ثقافة تُبنى عبر التربية والتعليم، وتحفظ الإرث والعقل والإيمان والاقتصاد والروح، وتُكرّس بيئة سليمة قائمة على العدالة والإنصاف. تلك هي الهوية الحقيقية للإنسان المواطن.

من هنا، تصبح محبّة الوطن دعوة مفتوحة للتواصل بين جميع مكوّناته. فالاختلاف، إن أُحسنت إدارته، يتحوّل إلى غنى لا إلى انقسام، فالانتماء الحقيقي هو للوطن، لا للطائفة ولا للحزب. وعندما يُصان الوطن، يُصان الاستقرار، ويزدهر الاقتصاد، وتنمو الزراعة والصناعة والتجارة والإدارة، لتلعب دورها الطبيعي بدل سياسة لم تحصد للبنان سوى الانقسام والدمار.

في النهاية، ليست هذه سوى دعوة هادئة لبناء حضارة وطنية أساسها الإنسان، وروحها المحبّة. محبّة نفتقدها كثيرًا بين الناس، ونفتقدها أكثر في عالم السياسة.



        
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

كتاب النهار 12/10/2025 5:05:00 AM
بمقدار ما كان وقع المفاجأة قويا على "الثنائي" وبيئته، فإن رد الفعل أتى على عجل كما تقول أوساطه
النهار تتحقق 12/8/2025 2:57:00 PM
الصورة حميمة، وزُعِم أنّها "مسرّبة من منزل ماهر الأسد"، شقيق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ماذا وجدنا؟ 
النهار تتحقق 12/10/2025 10:54:00 AM
ما ستشاهدونه هو سرير بسيط عليه غطاء أبيض موضوع في غرفة متواضعة، وتحته سجادة مهترئة. ماذا عرفنا عن هذه الصورة؟ 
النهار تتحقق 12/10/2025 3:23:00 PM
عذراً على قساوة الصورة. فما سترونه فيها هو وجه منتفخ، متورم، عليه آثار دماء. ماذا الذي وجدناه؟