طلال أبوغزاله قمّة الهرم الذي لا يهرم
غادا فؤاد السمّان – بيروت
في الدورة السادسة عشر لقمّة "البوسفور" المُنعقدة في اسطنبول – تركيا في 6 و 7 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري للعام 2025، تصدّر المشهد الدكتور طلال أبوغزاله بكلمة الافتتاح التي تعتبر استمرارية لما سبقها من السنوات والمؤتمرات الخمسة عشر المُقامة على التوالي في تركيا، وبحضور أكثر من ثمانين دولة مشاركة، يتقدّمها كبار الشخصيات من صنّاع القرار نذكر البعض منهم –الرئيس التركي رجب طيّب أردغان، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز، وسعادة الوجيه الأردني السيد فيصل الفائز رئيس مجلس الشيوخ في المملكة الهاشميّه... ولم يغب عن المؤتمر كبار الشخصيات القطرية التي أضافت للحدث وهجاً مضاعفاً، وغيرهم الكثير من الشخصيات العربية والعالمية، من البوسنة والهرسك، وجنوب أفريقيا، والبحرين، ولبنان، والبرازيل، والأرجنتين، وآخرين كُثُر.
لا شكّ أنّ هذا المؤتمر الحافل جدير بالاحتفاء الكبير، وذلك بالحديث الموثّق والمتواتر عن ذاك الحدث الرائد والمتواصل فوق الأراضي التركيّة، والذي ينعقد من كل عام، وقد أفسح الرئيس التركي المجال واسعاً لاستقبال تلك الوفود رفيعة المستوى، وتركيا لم تتوان في تحقيق أقصى الجهود لإنجاح ذاك المؤتمر البارز والهام، لرسم خريطة التقدّم والمواجهة والتحدّيات في ظل المُستجدات المُتسارعة على مستوى الشرق الأوسط تحديداً، والذي يتأثّر قبل غيره بفائض المُتغيرات الهائلة على جميع الصُعُد الكلاسيكيّة، والتي بالكاد يعي فيها المثقّف والموظّف والمواطن العادي، ما يحصل من تغيير في النُظُم، والصلاحيات، وفي مقدّمها السياسات الطارئة.
لقد جاء في افتتاحية المؤتمر تلك الدعوة الواضحة والصريحة لجميع الفعاليات في المنطقة لتحريك ساكنها، كي تتمكّن وقبل فوات الأوان من استدراك ما يجري على المستوى العلمي، والمعرفي، والتكنولوجي، والمناخي، والاقتصادي، والمجتمعي، والتربوي، ناهيك عن السياسي الذي ربما لم يتّسع له المقام كما ينبغي، لتبادل وجهات النظر في ذاك المؤتمر، نظراً لحساسيّة الأدوار، والمواقف، والوقائع.
إذاً هو مؤتمر البوسفور السادس عشر الذي تصدّر افتتاحيّته كالعادة الدكتور طلال أبوغزاله، بكلمة افتتاحيّة جامعة، و صادقة، وصريحة، وجريئة، ومؤثّرة. وهذا ليس بجديد على شخصيّة طلال أبوغزاله "الكاريزماتيّة "، المُدججة بالعلم والمعرفة والحكمة والرؤى ووجهات النظر التي أثبتت على الدوام أسبقيتها في مجمل المضامير.
لقد تصدّر الحديث في المؤتمر موضوع "الذكاء الاصطناعي"، وأيضاً جاءت مسألة الاقتصاد العالمي في المرتبة الثانية من الأهمية، كذلك الأمن الغذائي الذي يشغل بال الجميع كان له النصيب الأكبر من الحديث في المؤتمر، ولم تغب أزمة "المناخ" ومتغيراته، عن برنامج المؤتمر بل تمّ تداولها على أوسع نطاق. ثمّ تطرقوا إلى الحديث عن "الحوكمة" وعن مسؤولية الشركات، إضافة إلى طرح مشاريع حول الطاقة المتجدّدة، والآمنة للبيئة، وإمكانية تشغيلها من الذكاء الاصطناعي، على مستوى العالم، الأمر الذي غيّر موقع الذكاء الاصطناعي فعلياً من كونه خَياراً إلى جعله أساساً استراتيجيّاً في ميادين الأعمال والتكنولوجيا. بل ذهب المؤتمر في أهدافه إلى أبعد من ذلك حين اقترح إنشاء محطات لتوليد الطاقة على مستوى العالم، تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التشغيل والإدارة.
إذاً نلمس أنّ مؤتمر البوسفور السادس عشر لم يكن اجتماعاً للخوض في الشؤون الاقتصادية أو التقنية الحديثة وحسب، بل هو بمثابة وضع حجر الأساس برعاية تركية، وعلى أرض تركية، لبناء جسور تعاون متينة بين دول العالم، كما أنّها تُعتبر بمثابة مركز استقطاب الرؤى الجديدة حول النظام الدولي وذلك كما يمكن فهمه من البيان الختامي للمؤتمر.
كما لا بد من التنويه إلى أن الدكتور طلال أبوغزاله لم تفته في معرض حديثه، الإشارة إلى كتابه "من الأمم المتّحدة إلى الشعوب المتّحدة"، الصادر حديثاً في عمّان وبثلاث لغاتٍ حيّة هي اللغة التركيّة، واللغة العربيّة، واللغة الإنكليزيّة، والذي كان من المُقرر أن يوزّع على الوفود الكريمة المُشاركة في قمّة البوسفور، إلا أنّ النسخ لم تصل استنبول في الوقت المناسب، لهذا سترسل النسخ لاحقاً لكل جهة تنتظر بشغف هذا الإصدار الهام، الأمر الذي يضيف بتقديري إلى قمّة البوسفور التركيّة بُعداً إضافياً ورسالة استراتيجيّة هامّة، توثّقها بالتأكيد رغبة د. أبوغزاله الصادقة، وجهوده المتواصلة في توفير الفكر المؤثّر على نطاق عالمي واسع، كل ذلك شهدنا كيف واكبه تغطية إعلاميّة هائلة، للمؤتمر ولصاحب الافتتاحيّة العصماء، التي لخّصت رغبة كل مواطن فينا، إلى جانب كل مسؤول من أصحاب الرأي والقرار ليسمع ما يبشّر بمستقبل واعد، انطلاقاً من أرض تركيا العراقة والأصالة والتاريخ، على لسان حكيم من هذا الزمان استطاع أن يُقارب سنواته التسعين، وهو على قدر بالغ من الخبرة، والهمّة، والحضور، والحيويّة، والطموح.
نبض