رسالة إلى قداسة البابا لاوون عن الأب لبكي
أنطونيو عنداري، سفير لبنان سابقاً لدى الكرسي الرسولي
أبانا الأقدس،
لأنني لا أستطيع مقابلتك شخصياً خلال زيارتك لبنان، أتوجه إليك بهذه الرسالة المفتوحة.
بصفتي مسيحياً، ومواطناً لبنانياً، وديبلوماسياً، لا يمكنني الصمت في وجه ظلم فادح، أعرف تفاصيله، يا للأسف.
هناك أوقاتٌ في الحياة يصبح فيها الصمت جريمة، ومن يلتزمه يصبح شريكاً. لذلك أشعر بواجبٍ مقدسٍ أن أتكلم علناً.
أودّ هنا أن أذْكُر الأب منصور لبكي الذي أعرفه شخصياً منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين كان يقيم في سانت لويس بولاية ميسوري، ليترجم التراث الموسيقي الماروني إلى الإنكليزية. كُنتُ حينها أعمل في السفارة اللبنانية في واشنطن العاصمة، وهناك نشأت صداقة عميقة غذّاها الإيمان وهدف مشترك: خدمة الله ولبنان.
على مرّ السنين، شهدتُ الأثر الروحي والرعوي والفني لهذا الكاهن الاستثنائي. لم يُقدّم الأب لبكي نفسه لنا قطّ كـ"مونسنيور"، بل كخادم. يداهُ المُنهكتان من العطاء، أبتا أن تجفّا، وقلبُه المجروح من كثرة المِحَن، أبى أن يقسو.
غذّت برامجه الإذاعية اليومية على"نورسات" إيمان آلاف العائلات في لبنان والعالم العربي وفي جميع أنحاء الشتات. خلّف إرثاً يضمّ أكثر من 500 ترنيمة ونحو عشرين كتاباً، مُشبعة بإيمان حيّ ومحبة للمسيح، قادرة وفق تعبيره، على "محو دموع الكراهية".
خلال الحرب الأهلية، احتضن أيتاماً من جميع الأديان، ووفّر لهم منزلاً في فرنسا حيث علّمهم التسامح سبيلاً لإعادة بناء حياتهم. ومن هذه التجربة، وُلد عرض "كفرسما" (قرية في الجنة)، الذي قدّمه هؤلاء الأيتام أنفسهم في مدن أوروبية، ولُقّبوا لاحقاً بـ"سفراء لبنان الصغار".
بفضل هذا التحدي التربوي، أصبح هؤلاء الأطفال الذين كانوا محطمين في السابق، كهنة وممرّضين ومحامين ومعلمين وجنوداً، بناة سلام يخدمون وطنهم.
لاحقاً، في لورد، بنى الأب لبكي "بيت مريم - نجمة الشرق"، وهو دار استقبال للحجاج الناطقين بالعربية، افتتحها حينها الكاردينال ساندري.
في تلك اللحظة، وفيما كان الفاتيكان يُعلن سياسة "عدم التسامح" مطلقاً مع جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، رُفعت دعوى قضائية ضده، وهي مصادفة مُقلقة، إن لم تكن مُريبة.
بعدما اطلعتُ شخصياً على هذا الملف، اكتشفتُ العديد من العيوب والتناقضات، بالإضافة إلى شبكة من النيات الخبيثة.
قالت إحدى الشاكيات، "المسؤولة عن بيت لورد" أمام الشهود:
"أبي سيُخضعه"، بعدما أراد الأب لبكي أن يوكل إدارة بيت مريم إلى راهبات لبنانيات. مع ذلك، لم يكن الأمر سوى هذا.
عام 2018، حظيتُ بشرف لقاء خاص مع البابا فرنسيس الذي عرضتُ عليه هذه القضية. شرحتُ له أن الأب لبكي لم يُسمح له قط بالدفاع عن نفسه، لا في فرنسا ولا في الفاتيكان ولا في لبنان.
"دائرة عقيدة الإيمان" (DDF) هددته بالحرمان الكنسي ما لم يسحب دعواه المدنية في لبنان ضد متهميه.
برغم جهودي، لم أتمكن من مقابلة الكاردينال لاداريا رئيس الدائرة. قيل لي ببساطة، يا للأسف، "إنّه متعبٌ بسبب السن".
لاحقاً، في أثناء مغادرتي منصبي، التقيتُ الأب الأقدس مجدداً. حملتُ لهُ نسخاً عديدة من كتابه "الله شاب" طالباً إهداءه إلى أبنائي وبعض الأصدقاء. بقيت نسخة أخيرة. قلتُ للأب الأقدس:
"ينقصني كتابٌ لكاهنين عزيزَين على قلبي: مرشدي الأب سيزار موراني الكرملي، والأب لبكي الذي تحدثتُ عنهما معكم".
أخذ البابا الكتاب، وفتحه، وكتب بخط يده:
"إلى الأب لبكي، مع بركتي. فرنسيس".
أيها الأب الأقدس، دعني أشرح لك الأمور الأساسية.
كان التحقيق الذي أجرته دائرة باريس مُداناً تماماً، إذ لم يُستمع إلى شهود مؤيدين للأب لبكي.
لماذا لم يُستجوب أبناء رعيته في الدامور ولا الأيتام الذين أنقذهم؟ لماذا تجاهلوا شهادات من يشهدون على استقامته ورحمته؟
تُثبت الحقائق أنهم أرادوا إدانة رجل حتى قبل الاستماع إليه.
طُبعت المحاكمة الجنائية في فرنسا، والتي عُقدت غيابياً، بالانحياز أيضاً، إذ تغيّب اثنان من ثلاثة مدّعين، ولم يُقبَل أي شاهد دفاع، برغم طلب ثمانين منهم.
مُنحت ثلاث عشرة ساعة للادعاء، بينما لم تُمنح للدفاع سوى بضع دقائق. فهل يُسمى هذا عدالة؟
في الفاتيكان، أُحيل الأب لبكي إدارياً على الحالة العلمانية، من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، برغم أدلة الزور. ومع ذلك، بتواضعه، تقبّل القرار قائلاً:
"الكنيسة أمي. لا أريد أن أعارضها".
انزوى في صمت، وعاش عشر سنوات من المنفى الداخلي، كتب خلالها "وردية أيوب"، وهو كتاب إيمان مؤثر، شهادة على حبه الثابت للكنيسة، برغم جرح الظلم.
يكشف كتاب صدر اليوم في فرنسا بعنوان "قضية في الفاتيكان لم يكن لها لزوم"
Une affaire de trop au Vatican
(Éditions Les Impliqués)، بفضل رسائل بريد إلكتروني مسروقة بين المدعين، عن وجود مؤامرة حقيقية. يُسلّط هذا الكتاب الضوء على الانتهاكات القانونية والتشهير المتراكم.
في مواجهة هذا الكمّ الهائل من المخالفات، فإنّ النتيجة العادلة الوحيدة هي إعادة المحاكمة.
ليس الأب لبكي وحده من يحتاج إلى الحقيقة، بل الكنيسة نفسها.
كتب القديس أغسطينوس، قدوتك، يقول:
"لقد أنجب الرجاء طفلين جميلين: الغضب والشجاعة.
الغضب ضد الظلم، والشجاعة لتغييره".
بهذه الروح، أيها الأب الأقدس، أُوجّه إليك هذه الرسالة بغضبٍ على الظلم، ولكن بشجاعةٍ في الإيمان.
لأنك ذكّرتَ أخيراً بأن 10% من الاتهامات الموجهة إلى الكهنة باطلة، وأن علينا حماية من يعانون ظلماً.
فأنا على يقين، مثل الغالبية العظمى من اللبنانيين، أن الأب منصور لبكي من أوائل هؤلاء الكهنة الأبرياء.
مع خالص احترامي ومودتي.
نبض