رسالة إلى قداسة البابا لاوون الرابع عشر
شرف أبو شرف
نقيب الأطباء سابقاً
قداسة الحبر الأعظم،
يغمرنا الفرح بزيارتكم المباركة لربوع لبنان في هذه الظروف العصيبة التي يعيشها هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير برسالته. لقد اخترتم أن يكون لبنان محطة أولى في جولاتكم خارج الفاتيكان، وهذا في ذاته علامة محبة واهتمام ورجاء نقدّرها عميق التقدير.
ندرك أنّكم تحملون في قلبكم قلقًا على مصير العيش المشترك في هذا الشرق، وخصوصا في لبنان الذي سمّاه القديس يوحنا بولس الثاني عام 1997 "وطن الرسالة". وأنتم بلا شكّ على دراية بجراحاته المفتوحة وأزماته المتلاحقة، بما فيها ما أصابه من الداخل والخارج على حدّ سواء. لكنّ الجرح الداخلي كان الأعمق، بعدما ابتعد كثيرون عن وصايا الله، فانقلبت القيم وتقدّمت المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية.
صحيح أنّ قديسي لبنان يظلّلونه برعايتهم وصلواتهم، وصحيح أنّ في هذا الشعب أنقياء مؤمنين وأصحاب قلوب عامرة بالمحبة رغم الجوع الذي بلغ أبواب معظم البيوت. غير أنّ خزّان الخطايا امتلأ بأهل السياسة الذين تسبّبوا بتدهور الاقتصاد، وخراب الاجتماع، واهتزاز الأمن، وامتهان كرامة الناس. لقد تحدّوا المواطن في حقوقه وحريته وسيادته، وأغلقوا أبواب النجاح أمامه، حتى تراجعت مقومات الدولة وغاب منطق العقل والمصلحة العليا، فصار المشهد أشبه بعصابات تتنازع المصالح لا برجال دولة يحفظون الأمانة.
إنّ الانهيار المتفاقم والفساد المتمادي وتزايد الهجرة ليست سوى نتائج مباشرة لهذا التدهور المريع في إدارة الوطن. ولذا، فإنّ لبنان اليوم، هذا الوطن المُقعَد، يحتاج إلى صلواتكم وإلى دعمكم في المحافل الدولية، لعلّ صوتكم يسهم في دفع المجتمع الدولي نحو مساعدة اللبنانيين على إعادة بناء دولتهم على أسس إنسانية وإدارية سليمة، تعيد إلى لبنان رسالته ودوره وكرامته.
قداستكم،
لقد كتب النائب لويس أبو شرف، رئيس لجنة التربية البرلمانية لسنوات عديدة، رسالتين عامَي 1984 و1989، إلى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، في ظروف لا تقلّ مأسوية عمّا نعيشه اليوم، عرض فيهما تاريخ المسيحية في الشرق وبخاصة في لبنان، واقترح حلولا تضمن سلام الجميع: إمّا بالعيش المشترك العادل، وإمّا بالحياد برعاية الأمم المتحدة حين يعجز المتخاصمون عن التلاقي. كان يؤمن بأنّ المصارحة والاحترام وتبادل الرأي هي الطريق الأجدى لوقف دورات العنف المتكررة، وإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
قداستكم،
نعترف بأننا أخطأنا في حق الله وفي حق وطننا، وندرك أنّكم لا تحملون عصا سحرية ولا معجزات جاهزة. حسبنا أنكم تحملون إلينا نفحة رجاء، وكلمة محبة، ودعوة صادقة إلى السلام، وأن تساعدونا في أن نصير جميعا شركاء في ترسيخ الحرية والعدالة وقيام دولة تحترم الانسان.
نحن لا نبتغي سوى العيش بسلام، في وطن يليق بأبنائه، وطنٍ يستعيد دوره واحة ازدهار وأمان.
فأهلاً بكم، وشكرا لكم.
نبض