الرقمنة والجمارك في لبنان: رؤية وزير المال ياسين جابر
ميلاد رفقة - باحث اقتصادي
في مداخلة على برنامج "نهاركم سعيد" ضمن تغطية مؤتمر "بيروت 1"، عرض وزير المال اللبناني ياسين جابر رؤية متكاملة لإصلاح الجمارك، تطوير النظام المالي، والتحول نحو الاقتصاد الرقمي، مما يسلط الضوء على سعي الدولة لاستعادة ثقة المستثمرين العرب والأجانب وتحسين فعالية مؤسساتها المالية.
تحدث الوزير عن تركيب أجهزة السكانرز في المرافئ مرحلة أولى للإصلاح الجمركي، بهدف تعزيز الرقابة على البضائع، تقليص التهريب، وزيادة الشفافية. من منظور اقتصادي، هذه الخطوة من المتوقع أن تحسن الإيرادات الجمركية من خلال الحد من التدخل البشري في إجراءات التفتيش، وبالتالي تقليل الفساد وزيادة الكفاءة. وأوضح جابر أن المرحلة التالية تتضمن إنشاء نظام معلوماتي موحد وربطه بتحليلات الذكاء الاصطناعي لرصد المخاطر الجمركية وربطها مع جمارك دولية، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً نحو إدارة جمركية رقمية متكاملة قادرة على دعم القرارات المالية والاستثمارية.
كما أشار إلى خطط لتوسيع الخدمات الإلكترونية بحيث تشمل جميع المعاملات الجمركية والمالية عبر المنصات الرقمية، مع تحول تدريجي نحو اقتصاد بلا نقد. هذا التوجه لا يعكس مجرد تبن للتكنولوجيا فحسب، بل يشكل أداة استراتيجية لتحسين الشفافية، تتبع التدفقات المالية، وتقليل المعاملات غير الرسمية. ومن زاوية البحث الاقتصادي، فإن نجاح هذا التحول يعتمد على قوة البنية التحتية المصرفية الرقمية، وثقة الجمهور والتجار بالنظام، إلى جانب تطبيق ضوابط صارمة لحماية البيانات لضمان الخصوصية والأمان في التعاملات الرقمية.
وأكد وجود سعي لإشراك شركات دولية وعربية في تطوير البنية التحتية الاقتصادية، بما يشمل دعم الجمارك والنظام المالي، وهو ما يتيح تمويل الإصلاحات الكبرى ويعزز قدرة لبنان على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. من منظور الاقتصاد، هذا يعكس جدية الدولة في إصلاح مؤسساتها المالية والاقتصادية، ويخلق بيئة مواتية للاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء.

يمكن تحليل التداعيات الاقتصادية لهذه الإصلاحات من زوايا عدة، إذ من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة الإيرادات الجمركية من خلال الحد من التهريب وتحسين أداء الجمارك، ما يعزز الموارد العامة من دون فرض أعباء إضافية على المواطنين. كما أن دمج التكنولوجيا وتقليل الاعتماد على العنصر البشري في الإجراءات الجمركية يقلل من فرص الفساد ويزيد من الشفافية. إضافة إلى ذلك، وجود نظام جمركي فعال وشفاف يعزز من جاذبية لبنان للاستثمار، فيما يوفر التحول الرقمي أدوات أفضل لإدارة الموارد المالية وتقليل المعاملات غير الرسمية، مما يعكس ديناميكية اقتصادية متجددة.
أن نجاح الاقتصاد الرقمي يعتمد على مدى ثقة المواطنين والتجار بالنظام البنكي والتقنيات الجديدة، وهو عامل حاسم لضمان تبني واسع وفعالية مستدامة للإصلاحات.
فإن مداخلة وزير المال ياسين جابر تعكس رؤية إصلاحية طموحة تهدف إلى إعادة بناء النظام الجمركي والمالي في لبنان، عبر الرقمنة والذكاء الاصطناعي والتحول نحو الاقتصاد الرقمي. فإن هذه الإجراءات تحمل فرصاً كبيرة لتعزيز الإيرادات، خفض الفساد، وتحسين جاذبية لبنان للاستثمار، بينما تتطلب إدراكاً كاملاً للتحديات المرتبطة بالتنفيذ، الأمان الرقمي، وقبول المجتمع لهذه الإصلاحات لضمان نجاحها واستدامتها.
نبض