"ديبلوماسية الكرة": عندما تتحول التصويبة إلى سياسة
د. عاصم عبد الرحمن
لم يكن أحد يتوقع أن يصبح شريط فيديو يظهر الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني يلعبان كرة السلة إلى جانب قائد القيادة المركزية الأميركية وقائد قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، إشارةً سياسية ذات مغزى عميق. المشهد بدا عفوياً، لكن في السياسة لا شيء يُترك للمصادفة.
الشرع يكتب التاريخ
بينما كان اللاعبون الأربعة يتبادلون التمريرات داخل الصالة الدمشقية، كانت الكاميرات تلتقط أكثر من مجرد مباراة ودّية: كانت توثّق ولادة مشهد سياسي جديد، تتقاطع فيه التصويبات الرياضية مع تصويباتٍ من نوعٍ آخر، تصويبات سياسية دقيقة ترسم ملامح سوريا ما بعد الثورة.
الشريط الذي نُشر قبل ساعات من وصول الشرع إلى واشنطن، تزامن مع استعداد البيت الأبيض لاستقبال أول رئيس سوري يزور الولايات المتحدة في التاريخ الحديث. وهنا، لا تعود أهمية اللقطة إلى دقّة تسديد الكرة نحو السلة، بل نحو هدفٍ أكبر: إعادة سوريا إلى قلب المشهد الدولي.

لقاء الشرع – ترامب: ما وراء الصورة
خلال الساعات المقبلة، يلتقي الشرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمةٍ يُنتظر أن تشكل منعطفاً حقيقياً في العلاقات السورية – الأميركية.
الملفات على الطاولة ثقيلة: مكافحة الإرهاب، العقوبات، أزمة الشمال الشرقي، العدوان الإسرائيلي، ومستقبل التوازن بين النفوذين الروسي والأميركي في المنطقة.
وتشير التسريبات إلى أن اللقاء قد يتوج بإعلان انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، مع بدء إتمام مسار رفع العقوبات، وربما دعمٍ أميركي مباشر لمعالجة أزمات السويداء وقوات "قسد"، ضمن تسويةٍ شاملة تضمن وحدة الأراضي السورية وتوازن المصالح الدولية.
من "سوريا الساحة" إلى "سوريا المركز"
النهج الذي يتبعه الشرع منذ توليه رئاسة الجمهورية يبدو امتداداً لمدرسة جديدة في السياسة العربية: البراغماتية الرشيدة، أي القدرة على المناورة بين القوى الكبرى من دون انجرارٍ أو تبعية.
فدمشق اليوم تسعى الى أن تكون جسراً بين واشنطن وموسكو بدل أن تكون ميدان صراعٍ بينهما، كما تعمل على استعادة ودّ العواصم العربية وتركيا مع الحفاظ على استقلال قرارها. وفي المقابل، يبدو أن واشنطن بدأت تنظر إلى دمشق بصفتها بوابة محتملة لإعادة الاستقرار إلى المشرق، وكفة توازن أمام النفوذ الإيراني المتزايد.
ما بعد التصويبة
ربما لا يُذكر هذا اللقاء في التاريخ بقدر ما تُذكر صور اللاعبين الأربعة وهم يتبادلون الكرة في صالة دمشقية. تلك اللقطة البسيطة تختصر ما يجري فعلياً:
اللعبة انتقلت من الميدان إلى السياسة، ومن التسديد نحو السلة إلى التسديد نحو هدفٍ اسمه "سوريا الجديدة".
إذا نجح الشرع في ترجمة رمزية المباراة إلى نتائج ملموسة على الأرض، فسيكون قد وقّع أفضل تصويبة سياسية في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، تصويبةٌ أعادت الى بلده موقعه الطبيعي، لا كملعب للآخرين، بل كصانعٍ للّعبة نفسها.
نبض