حين يغيب الأمن يولد الوحش: العنف الجنسي في ظل غياب الأمن الاجتماعي قراءة في الأسباب والنتائج
د. داليا مزهر ( دكتورة في علم الاجتماع )
لم تتأخر العدالة عن موعدها ولم يصمت صوت الظلم ولا حتى ليلة واحدة، كما ولم يتمكن خنجر قاتل الضحية الوحشي أن يخفي الحقيقة المؤلمة خلف أنيابه، في تراب شواطىء حارة الناعمة، فلا جريمة أبشع من أن تنتهك قسراً كرامة طفلة بريئة ثلاث مرات: مرة ببشاعة الاعتداء للاغتصاب ومرة بجبن القتل وطمرها بالأحجار، ومرة بسعي القاتل للتنكر والتخفي خلف مفهوم المساندة والدعم. أما مقومات هذه الجريمة وحش يدعى "صديق"، ينتظر لحظة يضيع فيها الأمان في سواد من الليل، ليفترس بدافع اضطراباته النفسية والغريزية وينتهك عفة وحياة أنثى، ما تبريره المقزز هو أنه يشتهيها، لتصبح الجريمة ليست جريمة جسد قاصر، بل جريمة خيانة وانهيار إنساني لا ولن يغتفر.
على الرغم من أن الجريمة تاريخيا مرافقة للطبيعة البشرية كإشارة واضحة للإنحراف عن المعايير الاجتماعية الاّ انه كل مرة يحصل فعل الجريمة يشعرنا كما لوكانت الجريمة الاولى.

في ليلة بدت عادية في 31 من نهاية شهر تشرين الأول سمع أهالي البلدة كما كل المتلقين عبر وسائل السوشيال ميديا خبر فاجعة، زلزل القلوب والضمير معاً، حادثة مروعة أنهت حياة الطفلة ختام التي غابت في صمت لا يسمع إلا صوت الضحايا ومشهدية في خيالنا ترسم الانكسار وفراغ متروك في الروح. بالفعل، كان ختاماً ووداعاً حزيناً رغماً عن أنه جاء محملاً بحكمة العناية الإلهية، التي برزت في روح الطفل الذي أبى أن يموت دون أن يخبر سر حقيقة شقيقته القاصر. أن لهذه الظاهرة تفسيرات مجتمعية ونفسية وثقافية وبنيوية لا بد من التطرق إليها: تحديد السياق الاجتماعي الذي حصلت فيه الجريمة للقاتل والضحية معاً:
1-ضعف السياسات العائلية والضوابط العائلية – الأسرية
من الواضح غياب دور الأهل في هذه الحادثة، هذا الدور الذي يفرض الحصانة والرقابة على أطفالنا، وبالتالي تقصيرهم في غرس القيم منذ الصغر وتحديداً في القرى التي تشبه المدن، المكتظة كحارة الناعمة، فمن المتوجب عدم ثقة الأهل بالمجتمع الخارجي وعدم التنبه لمنع توهيم أطفالهم بالأمان المفقود، فنحن لسنا مسؤولين عن تربية المجتمع الخارجي، خاصة بيئة تعج بالاختلافات وتنوع مصادر الثقافات.
2-العلاقة بين الإدمان والجريمة
من الناحية النفسية هناك إجماع على تعاطي "المجرم" وإدمانه في وسطه الاجتماعي الذي يشكل سبباً مباشراً للسلوك الإجرامي، نتيجة لما يعيشه المدمن من اضطرابات نفسية واجتماعية، ما يؤثر على إداركه في ارتكاب أفعال مهلوسة غير قانونية وتسلب وعيه وتزيد استسلامه نحو أعلى مستويات الغريزة الحيوانية، خاصة ما عاينّاه بأن الجاني متزوج وأب لأطفال، ما يعكس تخليه وبعده عن القواعد الدينية والأخلاقية والقيمية.
بالاضافة إلى عامل الاختلاف الثقافي للمجرم عن البيئة المحلية، وهو الوافد من بيئة ومجتمع مليء بالتناقضات والشواذات والصراعات الفكرية "حيث أفاد شاهد عيان أن المجرم قادم من سوريا من منطقة "سيباني" من نحو أربعة أشهر، وكان له سوابق كثيرة في سوريا تشهد على سجله غير المقبول مجتمعياً والمثير للجدل.
1-التمثيل ما بعد المساعدة
من منظور اجتماعي هي مرحلة ما بعد الجريمة، فقد أراد الجاني الحفاظ على مكانته الاجتماعية رغم الجريمةـ ما يدل على انفصال أخلاقي كامل ولا سيما بعد قتل الطفل بالحجر، محاولاً إغراقه لإخفاء التباسات الجريمة، ما يعكس صدمة للمجتمع بسبب قرب المجرم من أهل الضحية، ما يولد لدينا أزمة ثقة إجتماعية وشعورنا بالخوف جميعاً من العدو القريب. أما مرتكب الجريمة فسرعان ما بدا القلق والاضطراب النفسي في التسلل إلى أعماقه، فبدا يعيش حالة من التوتر المستمر، يخشى أن يكشف أمره، هذا ما عايناه في الفيديو في أحد محلات المنطقة " نادو" نراه يتوجس من ذاكرة الطفل الفوتوغرافية، محاولاً استرجاع وأخذ الطفل مرة ثانية لقتلة مجدداً لإخفاء هذا العار.
4 – الفراغ البلدي في حارة الناعمة... غياب البلدية يشل حركة الرقابة
فتحت هذه الجريمة الأبواب على وجع مؤسساتي منذ سبعة أشهر بعد الانتخابات البلدية 2025، حيث تشهد اليوم كل البلدات حركة إنمائية هائلة على كافة الصعد، في الوقت الذي تشهد حارة الناعمة ركوداً تاماً وغياب الفرصة في المشاركة الديموقراطية وتشكيل مجلس بلدي ومخاتير، فوضع بلدة حارة الناعمة مثلها كمثل كل البلدات التي استقطبت وافدين وساكنين، إلاّ أن وضعها الإداري وتحديداً البلدي هو حالة يرثى لها، تستدعي صرخة نجدة من المسؤولين في الإسراع بتشكيل بلدية قادرة على إدارة شؤونها وشؤون ساكنيها ولا سيما أعمال ضبط الأمن، التنظيم، الإحصاء ومتابعة ملف الإجارات والتحري عنهم وزيادة أعداد رجال الأمن والشرطة كما تأمين حقوقهم لحماية الأملاك البحرية المفتوحة على مصراعيها. فعلى الرغم من أن الجاني والضحية هما من الجنسية السورية، إلا أن حارة الناعمة لم تتهرب من مسؤوليتها في إدانة هذه الجريمة النكراء، التي تصب في صلب اهتمامات أولياء الشان ووجهائها، وما حصل اليوم دق فعلاً ناقوس الخطر، الذي يجب أن يقرع باب كل مسؤول ومواطن غيورعلى أمن الوطن واستقراره، بسبب ما تعيشه البلدة من حالات فوضى، وسوء تنظيم وبناء عشوائي، طالبين بخطة طارئة لإعادة تنظيم البلدة وضبط الداخلين إليها على أكمل وجه.
وفي الختام، إن الحد من الجريمة وحصرها في مجتمعاتنا ليوم لا يقتصر على دور الأجهزة الأمنية لملاحقة وإلحاق أقصى العقاب به، بل هي مسؤولية تتضافر فيها جهود الدولة وسلطاتها والعائلة والمؤسسات التربوية والإعلامية والمؤسسات الدينية، من أجل مواصلة دعم برامج التوعية والإصلاح لحماية الإنسان والأنثى، عبر زرع ضمير في النفوس وانسانية في القلوب، آملين أن تكون ختاماً حقيقياً لهذه المأساة.
نبض