عندما يدفع الجنوبيون الثمن مرتين في الحرب والإهمال !

منبر 27-10-2025 | 09:28

عندما يدفع الجنوبيون الثمن مرتين في الحرب والإهمال !

مع بزوغ فجر الأربعاء 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، خيّم هدوء هشّ على جنوب لبنان، إيذاناً بدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، بعد 66 يوماً من القصف والدمار والتهجير. حربٌ عنيفة أكلت الأخضر واليابس،
عندما يدفع الجنوبيون الثمن مرتين  في الحرب والإهمال !
قصف إسرائيلي على الحدود الجنوبية (أف ب).
Smaller Bigger

عبدالله ناصرالدين 

 

 

 

مع بزوغ فجر الأربعاء 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، خيّم هدوء هشّ على جنوب لبنان، إيذاناً بدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، بعد 66 يوماً من القصف والدمار والتهجير. حربٌ عنيفة أكلت الأخضر واليابس، توقّفت بجهد تفاوضي معقّد قاده رئيس مجلس النواب  نبيه بري، مستنداً إلى القرار 1701، ومحاولاً ترميم ما تبقّى من سيادة وكرامة على أرضٍ أنهكها العدوان. لكن المشهد الجنوبي لم يعرف الهدنة سوى بالاسم او من خلال تحديد الاعتداءات ضمن إطار محدد بين الجنوب والبقاع. فبينما ينصّ القرار بوضوح على"وقف الأعمال العدائية فوراً و"احترام الخط الأزرق وعودة السلطات اللبنانية إلى ممارسة سيادتها الكاملة على أراضيها"، بقي الجنوب مشرّعاً على نارٍ تحت الرماد.
عادت العائلات إلى قراها مثقلةً بذكريات القصف وحنين الأرض، لتجد أمامها دماراً منظّماً، لا يشبه عبث الحروب، بل يحمل بصمات خطة تدميرية ممنهجة. أكثر من 65 بلدة وقرية تعرّضت لدمار جزئي أو كلي، وفق التقارير الرسمية. آلاف المنازل على كامل مساحة الوطن تهدّمت فوق ذكرياتها، ومئات الدونمات الزراعية التهمتها القنابل الحارقة.

 

 وكان المشهد الأكثر قسوة في البنية التحتية: شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات سقطت كأعمدة كرتونية، وعشرات المدارس والمستوصفات باتت أطلالاً تسرق حلم العودة إلى حياة طبيعية.
هنا، يُطرح السؤال القانوني والسياسي الأكثر إلحاحاً: أين الدولة اللبنانية من مسؤولياتها الدستورية؟
تنص المادة 7 من الدستور  على أن "كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض دونما فرق بينهم"، فهل طُبّقت هذه المادة على أبناء الجنوب؟ وهل يعقل أن لا تُطلق خطة وطنية لإعادة إعمار ما دمّره العدوان، أسوة بما حصل في مناطق أخرى من لبنان عبر التاريخ؟
كل ما جرى حتى الآن هو تحرك محدود للجان كشف تابعة لمجلس الجنوب، بناءً على توجيهات الرئيس  بري ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، دون اعتماد أي مرسوم أو خطة رسمية شاملة، أو حتى فتح باب التعويضات عبر الهيئة العليا للإغاثة أو وزارة الأشغال العامة والنقل. أما وزارة الطاقة، فغائبة عن مشهد إعادة تشغيل المياه والكهرباء في بلدات تشهر سلاح صمود أهلها في وجه آلات الذكاء الاصطناعي الصهيونية المحمولة جوّاً.

في المقابل، يواصل كيان الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته اليومية، منتهكاً قرار 1701 بوقاحة، مستهدفًا المدنيين والبنى التحتية في الجنوب والبقاع والضاحية. لم يعد القصف مجرد تجاوز فردي، بل سياسة عسكرية تدميرية تستخدم الطائرات المأهولة والمسيّرة لتدمير الآليات الهندسية والمعدات الثقيلة التي يُمكن أن تُستخدم في إعادة الإعمار، في سابقة خطيرة تهدف إلى تعطيل الحياة في الجنوب من جذورها.
إنها ليست مجرّد غارات، بل جريمة متكاملة الأركان بموجب القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تجرّم استهداف المدنيين ومقومات الحياة الأساسية. ومع ذلك، لم يصدر عن مجلس الأمن سوى بيانات خجولة، فيما التزمت الأمم المتحدة الصمت أمام مجازر موثقة بالصوت والصورة.
أمام هذا المشهد، بدأت تخرج أصوات تتساءل: هل المقصود تهجير أبناء الجنوب مجدداً؟ هل المطلوب أن يُدفن الجنوب تحت الركام ليُعاد رسم هويته السياسية والاجتماعية؟
الجنوب اليوم لا يطلب معجزة. يطلب فقط حقه بالعيش الكريم، وحقه بأن تُعامل مناطقه كما تُعامل سائر المناطق، لا أن يُترك لأقداره كل مرة بعد كل حرب، أن يزوره رئيس حكومة كل لبنان نواف سلام، لا ان يكتفي ببوابة الجنوب صيدا التي لا غبار على وطنية اهلها 
 في زيارة خجولة دون التقدم  ولمسافة 7 دقائق في سيارته  ليقف عند أكبر المجازر الاقتصادية التي لحقت بالجنوب منذ أيام، لا أن يُستحضر فقط في معادلات الربح والخسارة السياسية.
المعركة المقبلة لم تعد مع الاحتلال فقط، بل مع الإنكار الرسمي والتقصير الممنهج، مع عقل الدولة الذي لا يرى في الجنوب سوى ساحة صراع، لا مساحة حياة.
وإذا كانت الدولة عاجزة أو مترددة، فليكن للمجتمع المدني، للأحزاب الوطنية، للاتحادات، للمغتربين، للضمير الوطني، صوتٌ أعلى ويدٌ أسبق. لأن الجنوب لا يمكن أن يُرمّم بالحجارة فقط، بل بالعدالة، وبإعادة الاعتبار لأهله الذين دفعوا الثمن مرتين: مرة في الحرب، ومرة في الإهمال.



    
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/28/2025 5:28:00 AM
تتحمل المصارف  مسؤولية استثمار جزء أساسي من أموال المودعين في مصرف لبنان، رغم علمها بعجز المالية العامة، فيما يتحمل "المركزي" مسؤولية تمويل الدولة خارج الأطر القانونية
اقتصاد وأعمال 10/28/2025 10:49:00 AM
يعطي المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو عناية خاصة لملف المبالغ المستعادة ومتابعة كل تفاصيله.
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
أوروبا 10/29/2025 1:12:00 AM
ابنة بريجيت ماكرون في شهادة أمام القضاء: "إنهم يسخرون من أولادي ويقولون أن جدتهم متحولة".