التضخّم، الفئات النقدية، وإصدار الأوراق الكبيرة: منظور على الواقع اللبناني

منبر 15-10-2025 | 10:50

التضخّم، الفئات النقدية، وإصدار الأوراق الكبيرة: منظور على الواقع اللبناني

عندما نفكّر في التضخّم يتّجه بأذهاننا إلى ارتفاع الأسعار. لكن جوهر المسألة هو زيادة الكمية النقدية المتداولة مقارنةً بالسلع والخدمات المتوافرة. في الواقع، إذا أُضيفت أموال جديدة إلى السوق من دون تعويض سحبٍ يوازنها، فإن هذه الزيادة تمثّل توسعًا نقديًا يؤدي إلى ضغوط تضخميّة.
التضخّم، الفئات النقدية، وإصدار الأوراق الكبيرة: منظور على الواقع اللبناني
إن أحد أهم المؤشرات في الدراسات الاقتصادية هو بلا شك التضخم، وبالتعريف البسيط، ومن دون الخوض في متاهات التعريفات الاقتصادية المعقدة له
Smaller Bigger

ميلاد رفقة - أستاذ وباحث في الاقتصاد



عندما نفكّر في التضخّم يتّجه بأذهاننا إلى ارتفاع الأسعار. لكن جوهر المسألة هو زيادة الكمية النقدية المتداولة مقارنةً بالسلع والخدمات المتوافرة. في الواقع، إذا أُضيفت أموال جديدة إلى السوق من دون تعويض سحبٍ يوازنها، فإن هذه الزيادة تمثّل توسعًا نقديًا يؤدي إلى ضغوط تضخميّة.
في لبنان، الوضع الفعلي يشير إلى أن السلطات تفكّر في إصدار فئات نقدية كبيرة (مثل 500 ألف، 1 مليون، وربما 5 ملايين ليرة) لتسهيل التعاملات النقدية وتخفيف أعباء نقل أموال ضخمة.
لكن السؤال المهم: هل هذه الخطوة مجرد "تسهيل لوجستي" أم تحمل مخاطر حقيقية تتعلّق بزيادة السيولة بلا ضوابط؟
المنطق النقدي: الفئات النقدية والإصدار مقابل السحب
 التضخّم لا يعتمد على شكل الفئات النقدية (سواء ورقة صغيرة أم كبيرة) بحد ذاته، بل على المجموع النقدي الكلي المتداول.
 إذا أصدرت السلطات مثلاً 100 ألف ورقة من فئة 5 ملايين ليرة (أي ما يعادل 500 مليار ليرة)، فمن الناحية النظرية، يجب أن تُسحب كمية معادلة من السوق (مثل أوراق فئة الـ 100 ألف أو الفئات الأخرى) حتى يبقى الحجم الإجمالي للكتلة النقدية ثابتًا.
 لو اكتفت السلطات بالإصدار من دون سحب كافٍ، فإن السيولة المتاحة في يد الناس ترتفع، ومعها القدرة الاسمية على الشراء، مما يدفع الأسعار الصاعدة (أي التضخّم).
بمعنى أبسط: إصدار فئة كبيرة جديد لا يضرّ إذا كان مقترنًا بسحب معادِل من الفئات الصغيرة، فإن لم يحدث ذلك فإن المشكلة لا تُحلّ بل تتفاقم.
الواقع اللبناني: فرص ومخاطر
في لبنان، الفئات الكبيرة تُطرح كحل عملي لتقليل حجم الأوراق التي يُضطر الناس إلى حملها في ظل انهيار قيمة الليرة.
وفقًا لإحصائيات مصرف لبنان، فإن القطاع النقدي (الكتلة النقدية) في لبنان يبلغ نحو 157.6 تريليون ليرة، مع أن الفئة الكبرى الموجودة الآن (100 ألف ليرة) تستحوذ على النسبة الكبرى من التوزيع.
 البرلمان أقرّ أخيرًا تعديلًا على قانون النقد والائتمان يسمح للبنك المركزي بإصدار فئات نقدية ضخمة جديدة.
 مع ذلك، لا يزال هناك تخوّف من أن هذه الخطوة قد تُفسَّر في الأسواق على أنها إقرار ضمني بأن الليرة ستستمر في الانخفاض، مما قد يُعزّز توقعات التضخم ويؤدي إلى مضاربات.

إذا فُهمت هذه الخطوة على أنها مجرد تجرِبة لوجستية وليست جزءًا من استراتيجية نقدية متكاملة، فقد تُسوَّق في السوق على أنها توسع نقدي، مما يُفاقم فقدان الثقة في العملة.

مقتضيات النجاح: كيف يُمكن أن تنجح إذا أُريد لها أن تنجح؟
لكي لا تتحول إلى كارثة، يجب أن ترافق إصدار الفئات الكبيرة الإجراءات الآتية:
1. سحب الأوراق القديمة
   – يجب رسم جدول زمني واضح لسحب الفئات الصغيرة تدريجيًا بمعدّل يضمن عدم زيادة صافية في السيولة.
   – يجب أن يتم السحب بطريقة شفافة ومنظمة حتى لا تُترَك فئات صغيرة كثيرة في السوق.
2. ربط الإصدار ببرنامج نقدي شامل
   – يجب أن يكون هناك هدف محدد للكتلة النقدية ((M1, M2، حسب التصنيفات.
   – يجب أن يُرافق ذلك ضبط في السياسات المالية (خفض العجز، ضبط الإنفاق) حتى لا يتم تمويل العجز بالإصدار النقدي.
3. بناء الثقة والشفافية
   – الإعلام الرسمي يجب أن يوضّح أن الإصدار ليس ترياقًا خارقًا بل أداة فنية ضمن خطة أوسع.
   – يجب أن تُتاح للمراقبين والخبراء إمكانية الاطلاع على الحجم الصافي للإصدار والسحب.
4. التزام بالإصلاحات الهيكلية
   – لأن مشكلة لبنان ليست مجرد فئات نقدية، بل اختلالات في المالية العامة، الدين، ضعف النمو، هجرة رؤوس الأموال، وتآكل الاحتياطيات الأجنبية.
   – إذا لم تُعالج هذه القضايا، فإن أي خطوة نقدية بمفردها ستكون مجرد "ضماد تجميلي" موقت.

 

في النهاية، إصدار الفئات النقدية الكبيرة في لبنان قد يبدو كخطوة ضرورية في ظل الانهيار النقدي، لكنه إذا نُفّذ من دون ضوابط دقيقة، فقد يتحوّل إلى ضخ نقدي إضافي يُفاقم التضخم بدلاً من تثبيته.
الفارق بين "إجراء فني مفيد" و"كارثة نقدية" يكمن في التنفيذ الدقيق، الشفافية، والتكامل مع سياسة نقدية ومالية إصلاحية تُعيد الثقة بالليرة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 1:59:00 AM
حكومة بنيامين نتنياهو تجري مشاورات هاتفية عاجلة بشأن تعديلات على قوائم الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم في إطار خطة ترامب.
المشرق-العربي 10/14/2025 6:00:00 AM
 لماذا استغرق التوصّل إلى اتفاق كل هذا الوقت فيما أُهدرت فرص سابقة وهل كان من الممكن إبرام صفقة في وقت أبكر عندما كان عدد أكبر من الرهائن على قيد الحياة، وقبل مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟
النهار تتحقق 10/14/2025 12:15:00 PM
"القناة الـ13 الاسرائيلية" عن بلدية كريات شمونة: "أصوات انفجارات سُمِعت في المنطقة في الصباح الباكر"
صحة وعلوم 10/14/2025 10:48:00 AM
وزارة الصحة: الإجراء المتخذ بحق "تنورين" يُلغى فوراً اذا اتخذت جميع الإجراءات الضرورية لجودة المياه