أغلى من الروح

1.أحلام محسن زلزلة
إنّ همومنا العصريّة مشتركة: الجري وراء الشّاحن، فحص قوّة الكاميرا، شبكة الواي فاي، الإشارة ضعيفة أم قويّة ؟
كنّا نسأل عندما نخرج من البيت: هل نسيت الباب مفتوحاً؟ هل أطفأت الكهرباء؟ هل أحضرت معي مفتاح السّيارة؟
أما اليوم، قبل النّظارات، قبل السّاعة، وحتّى قبل الأولاد! هل نسيت الموبايل؟
لم نعد نعيش الحياة بل نصوّرها.
لم نعد نعزّي بل نشارك بصورة حزينة.
لم نعد نحبّ ولا نهدي وردة بل نبحث عن أغنية عشق أو "رياكشن" سريع على "ستوري" مع قلبٍ مكسور.
الحبّ الموبايلي تحوّل من لغة الكلام إلى لغة الإشارات ورموز تعبّر عن الغضب بـ"بلوك" والاشتياق بـ"تاغ" والعتب بوجه عابس.
إنّه صندوق الأسرار، والذّكريات،لا يفارق أيدينا في البيت، في السّيارة ،على الطّريق حتّى في نهاية اليوم، نضع الهاتف بجانب الوسادة، إنه آخر ما نلقي عليه التّحيّة قبل النّوم وأوّل ما نمسك به صباحا.
اذا دخلنا المطعم فلا نأكل قبل أن نصوَّر الطّعام ولابأس إن برد الأكل وذابت المثلّجات بانتظار أن نختار الفلتر المناسب ونعدّل الإضاءة من أجل ربح "لايكين" إضافيّين تحت الصّورة.
جائعون، نعم، لكنّ التّفاعل هو جوعنا الحقيقي!
في زمننا، لا عجب أن يصبح الهاتف أغلى من الرّاتب، من الأولاد، من العائلة، بل حتّى من الروح.
لقد أحببناه... أكثر من حبّنا لأنفسنا.
لكن، في المقابل، هذا السّارق اللّطيف سلبنا تركيزنا، دفء علاقاتنا، متعة حضورنا.
وفي حال فُقد حينها تقع الكارثة، فتشعرأنّ حياتك مخترقة تنهار أمامك تخسرالدّاتا! الحسابات! الباسوورد!
فلا تندهش إن ضاع تلفون أحدهم فراح يهيم على وجهه وهو يبكي كما لم يبك في جنازة بنيه.
قمّة الذّعر العيش من دون هاتف لا تضعه على أذنك أو متروك بعيداً عن عينيك.
ترتجف أصابعك من دون شاشة وتتجمّد، تفقد الشّغف بالحياة وتنفصل عنها كأنّه تمّ حظرك منها .
تستطيع أن تنسى رقم حسابك، صرّافك الآلي، عدد سنوات عمرك، لكن باسوورد الموبايل لا يُمحى من ذاكرتك، حتّى لو أردت ذلك!
وإن وقعت على الأرض، تصاب بالهلع وتصرخ: "يا الله ! تكسّرت الشّاشة، طرأعطل على البطّارية...
تسارع الى إصلاحهما فوراً، تاركا كسر قلبك بلا صيانة.
تمسح ذاكرة الهاتف ولا تعرف كيف تمسح خيباتك.
وحين تفعّل "الوضع الصّامت"،
لا تهدأ، لا ترتاح، بل تحترق قلقاً... لتعيد تشغيله من جديد وتتمنّى فقط لو كان هناك زرّ تشغيل لأرواحنا الرّاقدة. فنحن إن صمتنا سنبقى كذلك إلى الأبد.
فهل نحن من نملك الهاتف؟ أم الهاتف من يتملّك بنا؟
لقد وظّفناه في كلّ شيء إلّا في وظيفته الأصليّة... الاتّصال.
أوليس هو أغلى من الرّوح؟