الأمن السيبراني... تهديدات تواجه إيران و المنطقة

سجاد عابدي
إذا كنت تعتقد أن الأمن السيبراني يقتصر على الشركات الكبرى أو الأجهزة الأمنية فقط، فأنت مخطئ تمامًا.. مقولة يرددها عقلاء القوم في إيران و يشددون: حتى أصغر متجر إلكتروني أو مؤسسة حكومية محلية معرضة اليوم للتهديدات السيبرانية.. حيث أصبح مستقبل الأمن السيبراني في البلاد قضيةً بالغة الأهمية لا سيما مع توسع التجارة الإلكترونية والبنية التحتية السحابية والخدمات المصرفية الإلكترونية وأنظمة الحوكمة الرقمية.
السؤال المحوري في هذه المقولة هو: هل الجممهورية الإسلامية مستعدة لمواجهة التهديدات السيبرانية المتطورة خلال العقد المقبل؟ هنا نحاول إلقاء نظرة تحليلية على الفرص المتاحة في هذا المجال والدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الشركات والمؤسسات في بناء مستقبل أكثر أمانًا على الصعيد السيبراني.
لقد أحرز الأمن السيبراني في إيران تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة غير أنه لا يزال يواجه تحديات جوهرية و من ضمنها:
القيود المفروضة على استخدام تقنيات التشفير والبلوك تشين الحديثة
نقص كوادر مؤهلة في مجال الأمن السيبراني
فجوات الأطر الأمنية المتكاملة للمؤسسات الحكومية والخاصة
سرعة نمو المنصات الرقمية دون إنشاء بنية تحتية كافية في مجال الأمن السيبراني
ثغرات قد تجعل البنية التحتية الرقمية للبلاد عرضة للهجمات الخارجية والداخلية، في حال تم تجاهلها أو الغفلة عنها.
وفي هذا الإطار ينصح خبراء الحكومة بتعزيز التكامل بين قطاعي العام والخاص من خلال وضع إطار شامل لسياسات الأمن السيبراني، على أن يشمل النقاط التالية:
تحديد المتطلبات الأمنية لجميع الأنظمة الحكومية والعامة
تسهيل إنشاء شركات الأمن الخاصة و دعم نشاطاتها
تقديم الدعم المالي والقانوني لإنتاج حلول أمنية محلية
تطوير نظام استجابة سريعة للهجمات السيبرانية
يُشكّل الاعتماد على تقنيات الأمن الأجنبية، مخاطر متعددة على البلاد بدءًا من إمكانية وصول الحكومات الأجنبية إلى بيانات حساسة، وصولًا إلى العقوبات التي تُعيق دعم وتحديث البرمجيات و تعرضها لفجوات أمنية. وفي ظل هذه التحديات بناء بنية تحتية محلية في مجال الأمن السيبراني لا يُعدّ خيارًا ذكيًا فحسب بل ضرورة استراتيجية لحماية المعلومات الأمنية والحكومية والتجارية، فضلاً عن معلومات المواطنين الخاصة.
إن الاستثمار في جدران الحماية المحلية وأنظمة كشف التسلل (IDS) ومنصات التشفير المحلية من شانه إرساء أسس الاستقلال السيبراني لكل بلد ما يسمح للشركات والمؤسسات الحكومية بالتقدم على طريق التحول الرقمي بثقة أكبر دون الاعتماد على سياسات أطراف خارجية لا سيما في المجال الأمني.
وفي إيران يحذر المختصون في مجال الأمن السيبراني أن أبرز التحديات بهذا المجال يكمن في نقص الخبراء واصحاب التخصص حيث يتطلب النمو السريع للخدمات الإلكترونية والمصرفية الرقمية ومنصات الحكومة الإلكترونية والحوسبة السحابية، متخصصين قادرين على تصميم هياكل أمنية متطورة ومراقبتها وتعزيزها بانتظام، ولا يمكن تجاهل هذا الواقع أن من دون كوادر متخصصة و محترفين من الطراز الثقيل حتى أفضل الأدوات و التقنيات تفقد فعاليتها.
ومن هذا المنظور ينبغي على الجامعات والمراكز العلمية والشركات الخاصة العمل المشترك و التخطيط من أجل تدريب كوادر مختصة على الصعيد العلمي و التنفيذي، إلى جانب توظيف هذه النخب... فوضع مسار وظيفي واضح في مجال الأمن السيبراني لن يعزز الأمن الوطني لكل بلد فحسب بل سيمنع أيضًا هروب الكفاءات في مجال التقنيات الرقمية و غيرها.
وفي الجانب المتعلق بإيران، فإن العقوبات التكنولوجية المفروضة على البلاد عرقلت وصول الشركات والمؤسسات الإيرانية إلى العديد من برمجيات و أدوات الأمن المتطورة المستخدمة عالمياً، ما أدى إلى تقادم و انتهاء صلاحية العديد من أنظمة ومعدات وبرامج الأمن الحيوية في البلاد أو افتقارها إلى الدعم الفني... فجوة تقنية قد تتيح فرصةً للمتسللين للولوج وتعريض البنية التحتية الحيوية في البلاد إلى الخطر. ولمواجهة هذا التحدي يدرك الإيرانيون ضرورة تطوير حلول محلية للأمن السيبراني و يرون أن تحقيق الاستقلال الأمني بهذا المجال ممكن من خلال الاستثمار في التكنولوجيا المحلية وتدريب الكفاءات الماهرة وتوفير الحماية القانونية للمصنّعين والتقنيين الإيرانيين.. مع ترديد هذه المقولة أن العقوبات قد تُصبح ذريعةً لتحقيق اكتفاء ذاتي حقيقي لا سيما في مجال الأمن الرقمي.
وفي النهاية يعزو خبراء مستقبل الأمن السيبراني في إيران إلى ثلاثة عناصر حيوية هي: التعليم الهادف والمكثف، والتقنيات محلية الصنع، ووضع سياسات حوكمة صارمة... و مع هذا التوجه و التركيز على تدريب الكفاءات البارزة، تسعى إيران وراء فرصة للتحول من مُستورد لتكنولوجيا الأمن السيبراني إلى مُصدّر للتقنيات الرقمية أمر يحتاج إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى إلى جانب إرادة جادة من الحكومة والقطاع الخاص على قدر سواء.