الحريّة... والفوضى الأخلاقية: قراءة في توازن القيم والمسؤوليات

روجيـه ضاهريـة
عند الخوض في مفهوم الحرية، نجد أنها لا تُدرَك كمجرد شعار بل كإطار مركزي لتطور الإنسان والمجتمع. الحرية تعني إمكانية الاختيار والتعبير، وتمثل حجر الأساس لكل مجتمع يسعى للتحضر والكرامة. غير أن ممارسة الحرية دون ضوابط أو مسؤولية أخلاقية كافية، كثيراً ما تتحول إلى فوضى تهدد بانهيار الروابط الاجتماعية وتضعف ثقة الأفراد في بعضهم وبعض المؤسسات.
الفوضى الأخلاقية تتجلى عندما تتجاوز تصرفات الأفراد حدود الاحترام المتبادل، وتستند فقط إلى المصالح الشخصية دون مراعاة القيم الأخلاقية أو حقوق الآخرين. في مثل هذه الظروف، تبدأ الروابط الاجتماعية بالتآكل، حيث تسود الأنانية على حساب القيم المشتركة، وينعكس ذلك في مظاهر عديدة: تجاوز قواعد المرور وادعاء الحرية في التهور، انخفاض احترام الطلاب في المدارس وتزايد العنف اللفظي والجسدي، أو حتى في الفضاء الرقمي، حيث تزداد حملات التشهير والانقسام والعداء.
هذه الممارسات اليومية ليست مجرد ظواهر عابرة، بل تعبر عن خلل بنيوي في التوازن بين الحرية والمسؤولية. وتظهر آثارها أيضاً في المؤسسات الاجتماعية والتربوية، التي يفترض بها تعزيز منظومة القيم والانضباط، لكنها أحيانًا تفقد السلطة الحقيقية على التوجيه والإصلاح، ما يساهم في تعميق الإشكالية.
في المقابل، النموذج الذي ترافق فيه الحرية بالمسؤولية والاحترام المتبادل، يفضي إلى مجتمعات أكثر قدرة على التماسك والتطور واستثمار طاقات أفرادها في الإبداع والإنتاج. إذ تتقوى الثقة بين المكونات الاجتماعية، وتجتاز المؤسسات والأفراد الأزمات بكفاءة أعلى. إن الحرية بهذا المعنى ليست فقط حقاً فردياً، وإنما مسؤولية جماعية تؤمّن الحماية للنسيج الاجتماعي وتدعم استقراره.
ختاماً، تظل الحرية قيمة مركزية في البناء الإنساني والاجتماعي، لكنها بحاجة دائمة إلى تقاطع مع القيم الأخلاقية المشتركة، لتظل قوة فعالة في حياة المجتمعات. ويبقى التساؤل:
هل باستطاعة أي مجتمع مواصلة الاستقرار دون حكمة أو ضوابط أخلاقية واضحة، أم أن التحول إلى الفوضى يبقى نتيجة حتمية إذا غابت المعايير والقيم؟