لبنان… وطنٌ يبحث عن شبابه

راشد شاتيلا
في كل دولة، يُنظر إلى الشباب على أنهم نبض المستقبل ومحرك النهضة. أما في لبنان، فقد صار هذا الجيل بين مطرقة الأزمات وسندان الهجرة، يبحث عن فرصة حياة كريمة، بين أرض تضيق بأبنائها وأفق في بلاد بعيدة يعدهم بالاستقرار.
الهجرة لم تعد مجرد خيار شخصي، بل باتت ظاهرة وطنية تهدد البلد. كل عام يغادر آلاف الخريجين نحو الخليج، أوروبا، وأميركا، حاملين معهم خبراتهم وأحلامهم، تاركين فراغاً يصعب ملؤه في قطاعات أساسية كالصحة والتعليم والهندسة.
هذا النزيف البشري ليس خسارة للأفراد فحسب، بل هو نزف للبلد بأسره. فالوطن الذي يخسر شبابه يخسر قدرته على الإبداع والإنتاج، ويترك مكانه فارغاً لمزيد من التراجع والتبعية.
لكن الصورة ليست سوداوية بالكامل. فهناك من تمسّك بالأرض رغم قسوة الظروف، شباب أصرّوا على البقاء، أطلقوا مبادرات اجتماعية، أسّسوا مشاريع ناشئة، وزرعوا الأمل في أحياء ومدن وقرى، ليقولوا إن لبنان لا يزال قادراً على النهوض.
المعادلة اليوم واضحة: إمّا أن تستمر الهجرة بلا عودة، فينهار ما تبقّى من ركائز الدولة، وإمّا أن تتبنّى السلطة رؤية جديدة تضع الشباب في صدارة القرار، ليكونوا شركاء فعليين في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ان الاستثمار في الشباب ليس ترفاً ولا شعاراً، بل هو الشرط الأول لقيام الدولة. جامعة حديثة تربط التعليم بسوق العمل، سياسات تحفّز الابتكار، فرص عمل تفتح الأبواب بدل أن تغلقها، هذه كلها خطوات لا بد منها لوقف النزيف.
ولعلّ الأهم من ذلك هو إعادة الثقة. فالشاب الذي فقد ثقته بدولته لا يمكن أن يستعيد الأمل إلا عبر شفافية حقيقية، وعدالة اجتماعية، ومؤسسات تحمي الحقوق وتضمن الكرامة. من دون ذلك، سيبقى خيار السفر أقوى من أي خطاب عاطفي.
لبنان لا ينقصه الذكاء ولا الطاقات، بل ينقصه الإيمان بشبابه. فإذا أُعطي هؤلاء الفرصة، فهم قادرون على تحويل الألم إلى قوة، والهجرة إلى عودة، واليأس إلى مشروع نهضة. فالوطن الذي ينهض بشبابه لا تسقطه الأزمات مهما اشتدت.