حين تطفاء العيون وتضاء الشاشات -حكاية المراهقة الضوء

ليا ابراهيم
في أحد مقاهي بيروت، لفت انتباهي شاب مراهق غارق في هاتفه، يتنقل بين التطبيقات بلا توقف. توقفت لأفكر: هل هذا مجرد عادة عابرة، أم أن الشاشات لها تأثير أعمق على عقول المراهقين وسلوكهم اليومي؟ هذا التساؤل دفعني للبحث بين الدراسات العلمية لأفهم كيف تتفاعل أدمغة الشباب مع هذه التقنية الحديثة.
تظهر الدراسات أن العلاقة بين الشاشات وسلوك المراهقين ليست بسيطة، بل متعددة الأبعاد. فقد أظهرت دراسة كندية شملت نحو 4000 طالب ثانوي أن زيادة الوقت أمام الشاشات، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، ترتبط بزيادة أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، خصوصًا في ما يتعلق بالاندفاعية. بمعنى آخر، كلما قضى المراهقون وقتًا أطول أمام الشاشات، زادت صعوبة التحكم في تصرفاتهم. أما من ناحية الصحة النفسية، فقد أظهرت بيانات أميركية أن الاستخدام المطول للشاشات لأكثر من أربع ساعات يوميًا مرتبط بارتفاع خطر الاكتئاب والقلق والسلوكيات العدوانية، ويرتبط هذا غالبًا بانقطاع النوم، وقلة النشاط البدني، وتشتت الانتباه.
لكن الشاشات ليست كلها سلبية، فقد لاحظت دراسة حديثة أن المراهقين الذين يقضون وقتًا أكبر على الأجهزة قد يكون لديهم صداقات أقوى، خاصة عبر الألعاب والتواصل الاجتماعي، ما يوضح أن التأثير يعتمد على نوعية الاستخدام وليس الوقت فقط.
يتجاوز تأثير الشاشات السلوك إلى الدماغ نفسه، فقد أظهرت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي أن الاستخدام المكثف مرتبط بتغيرات في بنية الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن الانتباه والذاكرة، كما تشير الأبحاث إلى أن كثرة الشاشات قد تقلل من قدرة الدماغ على التحكم في الانفعالات، ما يجعل المراهق أكثر اندفاعية. ومن ناحية الكيمياء العصبية، أظهرت دراسة أن الإدمان على الإنترنت يؤدي إلى تغيرات في نشاط الدماغ ترتبط بالبحث المستمر عن المكافآت الرقمية، ما يزيد من صعوبة الانفصال عن الشاشات ويؤثر على الصحة النفسية.
لحسن الحظ، الدماغ المراهق لا يزال شديد المرونة، وما نسميه "اللدونة العصبية" يعني أن أدمغة الشباب قادرة على التكيف مع الخبرات الجديدة، سواء كانت سلبية أو إيجابية. الرياضة، النوم المنتظم، والأنشطة الاجتماعية الحقيقية تساعد على تعزيز وظائف الدماغ وتقلل من التأثير السلبي للشاشات.
من خلال ما ترويه الدراسات، يمكن تلخيص بعض الممارسات البسيطة التي تساعد المراهقين على استخدام الشاشات بشكل صحي، مثل تقليل الوقت المفرط خاصة قبل النوم، ممارسة الرياضة بانتظام لتعزيز التحكم في الانفعالات، الحصول على قسط كافٍ من النوم للحفاظ على المزاج والانتباه، التواصل الواقعي مع الأصدقاء والمشاركة في أنشطة خارج الإنترنت، واستخدام الشاشات بوعي مع التركيز على المحتوى التعليمي أو الإبداعي بدلًا من التصفح العشوائي.
الشاشات أصبحت جزءًا من حياة المراهقين اليومية، وهي تمتلك قوة تأثير كبيرة على سلوكهم ونمو أدمغتهم، لكنها ليست حتمية، إذ يمكن توجيه هذا التأثير بطريقة إيجابية. بتوازن واعٍ بين العالم الرقمي والحياة الواقعية، يمكن للشباب أن ينموا بعقول صحية وسلوكيات متزنة، ويستفيدوا من التكنولوجيا بدل أن تتحكم بهم.