زياد الرحباني...آخر فرسان الوفاء (بالإذن من نزار قبّاني)

هو آخرُ النوتاتِ الثائرة في سمفونيةِ أحلام البلاد
هو آخرُ حكاية قبل أن ينتحر الصباحُ في كتاب شهرزاد
وآخرُ ضحكةٍ ساخرةٍ.. قبل أن يُلحدنا كهف الرماد
وآخرُ سيجارةٍ تُشعلها الفكرة.. قبل أن تطفئها رتابة الحِداد.
وآخرُ فارس يرفض الانحناء أمام عرش شدّاد .
وآخرُ أغنية لا تشبه المتردّم المُعاد
به بدأنا نفهم أن الجنونَ فنّ لها
وأن السخريةَ حبٌّ مشتهى
وبه عرفنا أن بيروت في قلب النهى
وبه صار المقهى مسرحًا، والمسرحُ مقهى
وصار الملهى كتابًا، والكتابُ ملهى
هو الذي أهدانا الفوضى كتحفةٍ انتظار
وعلّمنا أن الكلمة لحن حوار وجدار
وأن الحب أشواك انكسار.
وأن الإيقاع يرقص على حافة المدار
هو الذي مزج الحزنَ بالغناء
والشتيمةَ بالشعر والأداء
والوطنَ بالكوميديا السوداء
على يدي زياد…
تحوّلت السياسةُ إلى مونولوجات ساخرة
وتحوّل الغضبُ إلى نغمةٍ عابرة
وتحوّلنا نحن… من جمهورٍ يصفّق لمعاوية
إلى شهودٍ على عصرٍ القلوب الخاوية
لم يكن زياد يرضى ببيت العنكبوت
كان شارعًا طويلًا في ذاكرة بيروت
كان مدرسةً للتمرد الأنيق الذي لا يموت
كان مرآةً تكشف تجاعيدَ السكوت
ويوم يكتبون تاريخَ الأرصفة الصفراء
وتاريخ الدرج الحجري في الحمراء
وتاريخ المقاهي التي احتضنت بوح الشعراء
وتاريخ الليل الذي عزف عليه زياد حتى آخر نقطة حنان
سيكتشفون أن صوته كان أوفى من الأوطان
وأن نغماته كانت أكبر من البحر والشطآن
وأعمق من جرح الزمان