الطائفية في لبنان هل يمكن تجاوزها؟

رغيد سيف الدين
لا تقتصر الطائفية في لبنان على السياسة أو تقاسم السلطات في المناصب العليا فحسب، بل تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية للبنانيين، بحيث أصبحت تحكم خياراتهم في التعليم، الزواج، العمل، وحتى في أبسط التعاملات اليومية. هذا الواقع يطرح تساؤلًا: هل يمكن تجاوز الطائفية في مجتمع بُني أساسًا على مبدأ الانتماء الطائفي؟
الطائفية في الحياة اليومية
الطائفية ليست مجرد شعور بالانتماء الديني، بل أصبحت نظامًا غير معلن يُحدد فرص الأفراد في المجتمع. في التوظيف، كثيرون من اللبنانيين يدركون أن كفاءاتهم لا تكفي وحدها، بل يحتاجون إلى "واسطة" من مرجعية طائفية. في الزواج، يُفرض على الشاب والفتاة من ديانتين مختلفتين إما الخضوع لقوانين دينية ترفض هذا الزواج، وإما السفر لعقد قرانهما مدنيًا في الخارج، ما يعكس غياب الدولة المدنية وتفوق المؤسسة الطائفية على الدستور.
في السنوات الأخيرة، أثيرت مخاوف من تقييد تسجيل الزواج المدني في الخارج بعد أنباء عن رفض بعض الدوائر في وزارة الداخلية تسجيل عقود مدنية حديثة، ما اعتبره البعض توجهًا نحو تضييق غير معلن على حرية الأفراد في اختيار شكل زواجهم. من هنا، تبرز ضرورة تشريع قانون مدني موحد للأحوال الشخصية.
الطائفية كهوية بديلة
مع مرور الزمن، تحولت الطائفة إلى هوية بديلة من الهوية الوطنية. المواطن يُعرّف نفسه بأنه سني، ماروني، شيعي أو درزي قبل أن يكون لبنانيًا. هذا التراتب في الهويات من أخطر إفرازات النظام الطائفي، إذ يخلق انتماءات موازية وربما متضاربة مع مفهوم الدولة.
الإعلام، الخطاب الديني وبعض المناهج التعليمية، تلعب دورًا في تكريس تلك الهوية الطائفية. فبدلًا من غرس القيم المشتركة والانتماء الموحد، يتم الترويج للخوف من الآخر.
الطائفية السياسية: السبب أم النتيجة؟
من السهل لوم الطبقة السياسية على الواقع الطائفي، لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فهل السياسيون يفرضون الطائفية على الناس أم أنهم ببساطة يُلبّون حاجة مجتمع اعتاد على هذا التقسيم؟ الحقيقة أن العلاقة متبادلة، فالزعامات الطائفية تستمد قوتها من قواعد جماهيرية تتبعها انطلاقًا من الانتماء لا من البرنامج أو الأداء. هذا النظام يُنتج حلقة مغلقة؛ المواطن ينتخب زعيم طائفته لاعتقاده أنه الوحيد القادر على حمايته من الآخر.
الجيل الجديد من الشباب اللبناني الذي نشأ في ظل الانهيارات المتلاحقة، يبدو أكثر انفتاحًا على فكرة الهوية الجامعة، وأكثر رفضًا للتقسيم الطائفي الذي حرمهم فرصاً عديدة وأغرق البلاد في الشلل والتعطيل.
الطائفية اليومية في لبنان ليست نتيجة دين أو ثقافة، بل نتيجة نظام تم ترسيخه عبر عقود. تجاوزها لا يكون بقرار سياسي فقط، بل يبدأ بوعي جماعي بأن لبنان لا يمكن أن يُبنى إلا على أساس المواطنة المتساوية، لا على الانتماءات الضيقة. إنه طريق طويل، لكنه ليس مستحيلًا.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية