دعوا شعبي يعيش… ودعوا لبنان يحيا

منبر 09-06-2025 | 11:17

دعوا شعبي يعيش… ودعوا لبنان يحيا

في مثل هذا اليوم من حزيران، نستعيد ذكرى غياب قامة وطنية وفكرية سامقة، عميد "النهار"، الصحافي الكبير، رجل الدولة، الدبلوماسي، الأستاذ غسان تويني.
دعوا شعبي يعيش… ودعوا لبنان يحيا
الأستاذ الراحل غسان تويني (أرشيف "النهار").
Smaller Bigger

وديع الخازن*

 

في مثل هذا اليوم من حزيران، نستعيد ذكرى غياب قامة وطنية وفكرية سامقة، عميد "النهار"، الصحافي الكبير، رجل الدولة، الدبلوماسي، الأستاذ غسان تويني.

غاب الجسد، وبقي الأثر. بقي الفكر الحرّ، والقول الصريح، والنهج المستقلّ الذي حفره في تاريخ الصحافة اللبنانية والعربية، وفي الوعي الوطني اللبناني.
لقد كان غسان تويني كبيرًا في أفقه الواسع، بعيد السَّبر في مجريات الأحداث. كان يفهم التوازنات الكبرى ولا يغرق في التفاصيل الصغيرة. كان يرى ما وراء الحدث، يقرأ ما بين السطور، ويصوغ ما يُحرّك الضمير اللبناني والعربي في آن. كأنّ حاله اليوم يقول: "حروب المنطقة هي حروب الآخرين على أرضها"، كما كان يُردّد دائمًا عن لبنان الذي دُفع مرارًا ليكون ساحة تصفية الحسابات الإقليمية والدولية. واليوم، وسط ما تشهده المنطقة من نزاعات مدمّرة، يظلّ صوته يُدوّي في الأذهان: "اتركوا لبنان للبنانيين، ودعوا هذا الوطن الصغير يحقّق سلامه الداخلي ومصالحه الوطنية".

لم يكن غسان تويني مجرّد ناشر أو كاتب أو صحافي، بل كان مدرسة قائمة بذاتها في السياسة والفكر والديبلوماسية.

حين دخل عالم الصحافة في شبابه، ما لبث أن طبعه بطابعه الخاص: الجرأة، الحرية، الدفاع عن الإنسان والعدالة الاجتماعية. لم تُثنه المناصب ولا المغريات. بقي وفيًّا لقيمه الأولى: قول الحقيقة، أياً كان الثمن.

في السياسة، عُرف بتمسّكه بالسيادة الوطنية، وبحكمته التي قادته إلى أن يكون صوت اعتدال في زمن التطرف، وصوت حوار في زمن الانقسامات. 

 

الأستاذ الراحل غسان تويني على منبر الأمم المتحدة (أرشيف
الأستاذ الراحل غسان تويني على منبر الأمم المتحدة (أرشيف

 

 

وفي الديبلوماسية، مثّل لبنان خير تمثيل في الأمم المتحدة، رافعًا الصوت من على منابر العالم من أجل الحق اللبناني والعربي. كان يؤمن أن لبنان رسالة حضارية قبل أن يكون دولة، وأنه قادر رغم صِغَر حجمه الجغرافي على أن يكون واحة حوار وحرية في محيط عاصف.

في السياسة، عُرف بتمسّكه بالسيادة الوطنية، وبحكمته التي قادته إلى أن يكون صوت اعتدال في زمن التطرف، وصوت حوار في زمن الانقسامات.

لقد غاب عن مسرح الحياة، لكنّه ترك أمانته في الأيدي الأمينة. ولعلّ أشد محطات حياته إيلامًا كانت حين قدّم ابنه الشهيد جبران تويني قربانًا على مذبح حرية لبنان.

كان جبران رمزاً لجيل جديد من الصحافيين والسياسيين، متمرّدًا على أساليب المسايرة السياسية، صلبًا في الدفاع عن سيادة الوطن.

بعد استشهاده، بقيت "النهار” منارة حرية وسط عتمات القمع ومحاولات كمّ الأفواه. وكما كان يقول غسان تويني: “دعوا شعبي يعيش”، فإن رسالته اليوم حيّة متجدّدة: دعوا الكلمة الحرّة تعيش.

اليوم، ونحن نستذكر غسان تويني، لا يسعنا إلّا أن نُحيّي المسيرة التي تواصلها نايلة تويني، ومعها شقيقتها ميشال، إلى جانب أسرة جريدة “النهار” بجميع أفرادها الذين يحملون الأمانة بثبات وشغف.

في زمن الإعلام الرقمي والضغوط الهائلة على الصحافة التقليدية، يثبت فريق “النهار” أن الحرية ليست موضة عابرة ولا ترفاً، بل هي رسالة دائمة، تُسقى كل يوم بالتعب والعمل والتفاني.

لقد استطاعت نايلة تويني، ومعها أسرة الجريدة، أن تجدّد “النهار” وتُحافظ في آن على جوهرها الأصيل، ذلك الذي وضعه غسان تويني منذ تأسيس المدرسة الصحافية النهارية، حيث تُكتب الكلمة بمسؤولية وتُنشر بشجاعة.

وها هي ميشال تويني إلى جانبها، وفريق العمل كاملًا، يكمّلون المسيرة من خلال تطوير المنصات، تعزيز المهنية، والانفتاح على قضايا الجيل الجديد من اللبنانيين والعرب.

اليوم، في ذكراه، نقف جميعاً وقفة وفاء أمام رجلٍ لم يُساوِم يومًا على وطنه. أمام قلمٍ صقل الضمير الوطني. أمام عقلٍ آمن دومًا أن لبنان هو بلد التعدّدية، بلد الرسالة الحضارية في عالمٍ بات أحوج ما يكون إلى رسل الحريّة والانفتاح.

إن مسيرة غسان تويني هي دعوة دائمة إلى جميع العاملين في الشأن العام والإعلامي كي يحافظوا على جوهر العمل الوطني: أن تبقى الكلمة صادقة، والرؤية وطنية، والخطاب جامعًا.

غسان تويني، ستبقى حيًّا في كل كلمة حرّة، وفي كل جيل يؤمن أن لبنان يستحقّ الأفضل.

ولن يكون ختامًا إلا بكلماته التي صارت أيقونة: “دعوا شعبي يعيش… ودعوا لبنان يحيا"

 

*وزير سابق وعميد المجلس العام الماروني

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 10:08:00 AM
أعاد عناصر "حماس" انتشارهم في مختلف شوارع ومناطق قطاع غزة.
لبنان 10/12/2025 6:47:00 PM
تُظهر الصور المتداولة تكدّس الغيوم الماطرة فوق المرتفعات، في وقتٍ يشهد فيه الطقس تقلّبات خريفية واضحة.