جبران في "العواصف"... نبوءة ثائر تهزّ صمت لبنان الحاضر

جبران في "العواصف"... نبوءة ثائر تهزّ صمت لبنان الحاضر
جبران خليل جبران.
Smaller Bigger

فاروق غانم خداج 
كاتب لبناني وباحث في الأدب والفكر الإنساني 

يُعدّ كتاب "العواصف" أحد أكثر نصوص جبران خليل جبران اشتعالاً وتمرّداً. كتبه في المهجر وهو يراقب وطنه من بعيد بعين الحالم وخيبة المنفيّ. لم يكن هذا الكتاب مجرد مجموعة مقالات، بل مانيفستو ثوري يطلقه جبران في وجه الاستبداد والظلم وتفسّخ الضمائر. من يقرأ "العواصف" اليوم، يشعر أنه كتب على قياس لبنان الراهن، كأن جبران يطلّ من بين الركام ليقول لنا: لقد أنذرتكم منذ قرن، فكيف لم تفهموا شيئًا؟

في ما يلي عرض دقيق لمضمون "العواصف"، ورسائله، وما يمكن أن يعنيه للبنان اليوم، ثم محاولة لتخيّل ما الذي كان جبران سيقوله لو عاد إلى وطنه المنهك.

أولاً: ماذا يقول جبران في "العواصف"؟ أربع رسائل جوهرية

1- فضح استبداد السلطة السياسية

جبران يهاجم في "العواصف" السياسي الذي يحوّل الوطن إلى ملكية خاصة.
يرسم صورة حاكم لا يرى في الشعب إلا وسيلة لخدمة أطماعه.
يكتب بحدّة عن المسؤول الذي "يتشابه في الأقوال، ويختلف في الأفعال"، كأنهم – في نظره – يتفقون على أن يغرّروا الشعب بلسان ويخدعوه بيد.

يظهر السياسيون في الكتاب كأصحاب كراسٍ لا أصحاب رسالات، كأناس يبيعون الأرض مقابل يوم إضافي في السلطة.

2- الحرية كدين داخلي وثورة أولى

الحرية في "العواصف" ليست برنامجاً سياسياً، بل يقظة روحية.
الإنسان الحر هو الذي يثور أولاً على خوفه، على تردده، على خنوعه.
يقول جبران ما معناه: الثورة تولد في القلب قبل أن تولد أمام بوابة القصر.

في نصوص مثل "الأرواح المتمردة"، يجعل الحرية فعلاً داخلياً قبل أن تكون حركة جماعية.

3- الانتصار للفقراء والمقهورين

"العواصف" كتاب منحاز للمحرومين بلا مواربة.
في نص "حفّار القبور"، يحوّل جبران الحفار إلى رمز للوطن المنهوب:
وطن يحفر له حكامه قبراً كل يوم، لا لأن الفقر قدر، بل لأن الفقر نتيجة سياسات ظالمة.
جبران لا يتعاطف فقط، بل يغضب نيابة عن هؤلاء الذين لا صوت لهم.

4- مسؤولية الشعب: الصمت جريمة

من أهم رسائل "العواصف": الشعوب مسؤولة عن مصائرها.
يصرخ جبران في وجه الأمة التي تستسلم:
"ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع."
الشعب الذي يخاف من حريته، ويتعلق بزعامات تدمّره، هو شعب يشارك في قتله.
هذا البعد الجريء هو ما يمنح الكتاب راهنيته اليوم.

 

 

ثانياً: رسالة "العواصف" إلى لبنان اليوم: نبوءة تحققت

يكاد الكتاب يُقرأ اليوم كأنه تحليل سياسي للأزمة اللبنانية.

1- فساد الدولة كنظام حياة

ما وصفه جبران قبل قرن هو ما يراه اللبنانيون كل يوم:
سلطة سياسية لا تحكم، بل تُدير شبكة مصالح.
طبقة تعتبر الدولة غنيمة، والشعب رصيداً انتخابياً.

انفجار المرفأ مثال على ما تنبأ به جبران:
حكام يحفرون الوطن كما يحفر حفّار القبور، لكنهم يحفرون قبور الأحياء.

2- خمول الناس وخضوعهم

جبران كان قاسياً على الشعوب التي تستسلم.
اليوم، رغم الانهيار، ما يزال بعض اللبنانيين يقدّمون الولاء للسياسيين أنفسهم الذين دمّروا البلد.

هذا، في عيون جبران، خنوع لا يليق بالأمم، ولا يبرّره الخوف ولا الفقر ولا اليأس.
إنه الاستمرار في السير نحو الهاوية مع ابتسامة بائسة.

3. انهيار القيم قبل انهيار الاقتصاد

أزمة لبنان ليست أرقاماً فقط. هي أزمة صدق، وثقة، وأخلاق، ومسؤولية.
جبران حذّر منذ "العواصف" من أن الدولة تسقط حين يسقط ضميرها.
ومشكلة لبنان اليوم ليست في بنوكه فقط، بل في تآكل روحية المواطنة بين أبنائه.


ثالثاً: لو عاد جبران اليوم… لثار مجدداً

بناءً على روحية "العواصف"، يمكن القول بثقة:

1- كان سيقف في وجه الحكّام بلا هوادة
لو عاد جبران اليوم، لسمّى الأشياء بأسمائها.
لكتب نصًا بعنوان:
"أيها الحفّارون… توقفوا!"
ولاعتبر الطبقة السياسية خائنة للأمة، لا مجرد فاشلة.

كان سيقول لهم:
أنتم الذين جعلتم لبنان جثة بلا كفن، وأنتم الذين بعتم ما لم يكن يُباع.

2- وكان سيهاجم تواطؤ الشعب وصمته

جبران لا يداهن الشعوب.
كان سيقول للبنانيين:
كيف تطلبون خلاصًا من أيدٍ قيّدتكم؟ وكيف تثقون بمن خانكم ألف مرّة؟
في رأيه، لا يمكن للثورة أن تبدأ إذا لم يغيّر الإنسان نفسه.

3-وكانت ثورته الأولى فكرية

كان سيطالب بثورة وعي:
كسر الخوف، كسر العادة، كسر الولاء الأعمى.
كان سيقول:
إن الوطن لا يقوم بالذين يصرخون فقط، بل بالذين يستيقظون.



الخاتمة: كلمة جبران لو وقف اليوم في لبنان

"العواصف" ليس كتاباً من الماضي.
إنه كتاب من المستقبل جاء مبكراً، ولم يلتفت إليه أحد.

ولو عاد جبران بعد مئة عام، لوقف في موقع انفجار المرفأ، ونظر إلى اللبنانيين وقال:
"هذه ليست نهاية وطنكم، بل نهاية أوهامكم.
الوطن لا يموت، لكنه يموت فيكم حين تصمتون.
انهضوا… فالتراب لا ينهض وحده".

الأكثر قراءة

سياسة 11/24/2025 8:20:00 AM
مصدر إسرائيلي: "حكومة لبنان لن تقوم بمهمة إضعاف حزب الله ولن ننتظر"...
النهار تتحقق 11/24/2025 2:09:00 PM
ستشاهدون روائع. سبائك ذهب وتماثيل ذهبية وصناديق أثرية. ما القصة؟
لبنان 11/24/2025 12:40:00 PM
وكالة الصحافة الفرنسية: مصدر قريب من "حزب الله" يقول إن الحزب منقسم بين رأيين حالياً يفضّل أحدهما الرد على اغتيال الطبطبائي ويدعو الآخر للامتناع عن ذلك
لبنان 11/24/2025 2:26:00 PM
على رأسهم الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، يليه النائب محمد رعد