من المانش إلى المتوسّط: طرق الموت تتفرّع والنجاة تزداد صعوبة
مها الجمل*
"إذا فشلنا في التعامل مع هذه الأزمة، فسندفع المزيد من الناس نحو مسار يبدأ بالغضب وينتهي بالكراهية". لقد كان صيفاً طويلاً من الاحتجاجات أمام الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء في بريطانيا، قبل أن تعلن وزيرة الداخلية البريطانية شبانة محمود أمام البرلمان عن تغييرات جذرية في نظام اللجوء للحد من الهجرة غير الشرعية والقوارب و"إنهاء حق اللاجئين التلقائي في الاستقرار الدائم في المملكة المتحدة"، لتبدأ عاصفة جديدة عن وضع الآلاف من طالبي اللجوء وكيفية حمايتهم قانوناً.
عشرون عاماً إقامة في المملكة المتحدة بدلاً من خمس سنوات في الوضع الحالي، شرط على اللاجئ، ليتمكن من التقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة أو تصريح إقامة غير محدد المدة. بموجب خطط الحكومة البريطانية المطروحة سيصبح وضع اللاجئ مؤقتاً وسيلغى دعم السكن المضمون لطالبي اللجوء، ويقيد لم الشمل، وستُنشأ "طرق آمنة وقانونية" جديدة محدودة لدخول المملكة المتحدة.
وقد يُعاد الحاصلون على حق اللجوء إلى أوطانهم إذا اعتُبرت بلادهم آمنة في أي وقت، ضمن سياسة انتقدها حزب الخضر والحزب الليبرالي الديموقراطي وأعضاء من حزب العمال بتكريس الانقسام بحدة ووصفها نواب من حزب العمال بـ"قسوة استعراضية" تشبه سياسات المحافظين، ليطرح مخاوف عما ستخلفه تلك التغييرات على أولئك القادمين من الشرق الأوسط ودول أفريقية عندما يقررون المخاطرة بحياتهم لعبور البحر.
"دخول واحد، خروج واحد"
تتجاوز القوارب الصغيرة بحر المانش ليعبر مرتادوها إلى حلم لم يتوقعوا أن ينتهي سريعاً على أمواج المتوسط، قوارب مكتظة مطاطية وقد تكون خشبية متهالكة تملأ البحر بمهاجرين غير شرعيين يستخدمون طريق المتوسط من دول في الشرق الأوسط أو دول أفريقية مجاورة أو دول تمر بصراعات وأزمات اقتصادية.

الخطط البريطانية تسعى إلى الحد من القوارب الصغيرة مع جارتها فرنسا التي انتقدت كدولة جارة لم تفعل ما طلب منها لبريطانيا، التي شهدت زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين غير المسجلين يدخلون المملكة المتحدة، وارتفع فيها صافي الهجرة إلى 906,000 خلال 12 شهراً المنتهية في حزيران/ يونيو 2023 ، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طبقاً لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية.
عبر 503 مهاجرين القناة الإنكليزية في يوم واحد هذا الشهر، مع عبور المزيد من القوارب من فرنسا إلى دوفر، وارتفع إجمالي عدد الوافدين خلال الأسبوع الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، إلى 1772 مهاجراً، و38726 مهاجراً بحلول عام 2025 حتى الآن.
ومع تزايد الانتقادات لجارتها فرنسا بشأن القوارب الصغيرة عبر المانش، شرعت بريطانيا في الاتفاق مع فرنسا على مبدأ "دخول واحد، خروج واحد"، وهو برنامج تجريبي لمدة عام، بدأ في آب/ أغسطس 2025، يُمكن لمسؤولي المملكة المتحدة إحالة طلبات العودة إلى فرنسا في غضون أيام من وصول أي شخص على متن قارب صغير، ويُمكن للسلطات الفرنسية بعد ذلك تحديد العدد نفسه من طالبي اللجوء الموجودين حالياً في فرنسا والذين ينوون القدوم إلى المملكة المتحدة ولكنهم لم يحاولوا العبور. يمكن نقل من يجتازون فحوصات الأمن والأهلية إلى المملكة المتحدة ومنحهم مهلة ثلاثة أشهر لطلب اللجوء أو التقدم بطلب للحصول على تأشيرة. ولا يُسمح لهم بالعمل أو الدراسة أو الحصول على المزايا خلال هذه الفترة.
يجادل النقاد بمن فيهم المحافظون بأن أعداد العائدين إلى فرنسا من المرجح أن تكون نسبة ضئيلة جداً من إجمالي العابرين، لكنها تثير جدلاً واسعاً بشأن جدوى تنظيم "فوضى" المانش.
في "المتوسط" تموت الأحلام
بعد انجرافهم في البحر لمدة ستة أيام، لم ينجُ سوى سبعة رجال فقط، أربعة من السودان، واثنان من نيجيريا، وواحد من الكاميرون أنقذتهم السلطات الليبية، في آخر فصول حوادث غرق المراكب هذا الشهر قبالة السواحل الليبية على البحر المتوسط، حين انطلق القارب الذي كان يحمل تسعة وأربعين مهاجراً ولاجئاً من مدينة زوارة في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر، وبعد ست ساعات تسببت الأمواج العاتية في تعطل المحرك وانقلاب القارب كما تفيد المنظمة الدولية للهجرة في أحدث بياناتها.
أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط في عام 2025 حتى الآن وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، نحو ثلث الحالات قبالة سواحل ليبيا التي كانت نقطة انطلاق رئيسية للمغادرة لنسبة كبيرة ممن وصلوا أوروبا هذا العام عبر المتوسط، وبنسبة 90% من إجمالي الأشخاص الذين وصلوا إلى إيطاليا في الأشهر الأولى هذا العام ثم تونس والجزائر وتركيا كما صنفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأصبح عام 2024 ، العام الأكثر فتكاً على الإطلاق كما صنفته المنظمة الدولية للهجرة ، في وفيات المهاجرين غير الشرعيين في العالم ، حين لقي ما لا يقل عن 8938 شخصاً حتفهم على طرق الهجرة في العالم.
حين خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2021، لم تعد تنطبق لائحة دبلن الثالثة وجميع الجوانب الأخرى لنظام اللجوء الأوروبي على التشريعات الخاصة ببريطانيا، التي تجعل قوانين وممارسات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي تستند إلى نفس المعايير المشتركة، فإن اتفاقية دبلن تسمح لطالبي اللجوء بالتمتع بمستويات مماثلة من الحماية في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ، لكن في ظل سياسات أوروبية تتجه نحو التشديد، وتشريعات بريطانية تمثل تحولات جذرية نحو واقع أكثر تقييداً، وبحر هو محاولة للهروب من واقع أكثر قسوة.
ومع تسجيل أكثر من 1000 وفاة وفقدان في المتوسط عام 2025، وآلاف المهاجرين عبر البحر، تدرك القارة العجوز أن تشديد القوانين قد لا يوقف حركة الهجرة غير الشرعية واللجوء، بل قد يدفع المزيد لطرق أكثر خطورة، وتسعى لإصلاحات شاملة لكيفية تطبيق تشريعات حقوق الإنسان، بما في ذلك المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تتناول الحق في الحياة الأسرية، المصممة لتوفير الحماية للأشخاص من المعاملة اللا إنسانية أو المهينة و... يستمر الجدل.
*باحثة مصرية متخصصة بشؤون الشرق الأوسط وملف الهجرة.
نبض