منبر 13-03-2025 | 10:33

هل فهِم اليهود؟

. "فَإِنَّكُم لَم تُقاوِموا بَعدُ حَتّى ٱلدَّمِ" ...لا تكفي إدانة الإعدامات الميدانيّة في سوريا وحسب. ولا تنفع دعوة رؤساء الكنائس "المجتمع الدُوَليّ" الى وَقفها، لأنّه وراءها، إذ إن الوحوش البشريّة التي ترتكبها هي صنيعته وهي تقتل وتُخرِّب وتَسرِق وتُدمِّر - دُونَما تميِيز - كلّ ما يخصّ مَن تَحسبُهم كُفّاراً
هل فهِم اليهود؟
"فَإِنَّكُم لَم تُقاوِموا بَعدُ حَتّى ٱلدَّمِ" ...
Smaller Bigger

الاب ايلي قنبر

1. "فَإِنَّكُم لَم تُقاوِموا بَعدُ حَتّى ٱلدَّمِ" ...
لا تكفي إدانة الإعدامات الميدانيّة في سوريا وحسب. ولا تنفع دعوة رؤساء الكنائس "المجتمع الدُوَليّ" الى وَقفها، لأنّه وراءها، إذ إن الوحوش البشريّة التي ترتكبها هي صنيعته وهي تقتل وتُخرِّب وتَسرِق وتُدمِّر - دُونَما تميِيز - كلّ ما يخصّ مَن تَحسبُهم كُفّاراً. نعم، تدخل تلك الارتكابات من ضمن مُخطَّط "المجتمع الدُوًليّ" لتقسيمٍ دمَويٍّ طائفيٍّ جديدٍ أسقَط "سايكْس-بيكُو". مُخطَّط أكثر فتكاً مَعنَويّاً وفِعليّاً وسِلاحاً، يرسُم حدوداً جديدةً لمنطقتنا العربيّة بالدَم "المُهراق" على مذبَح الاستعمار المُتَوحِّش. ما يجري اليوم يفوق جرائم "الهاغانا" في أربعينات القرن الماضي. كلُّ هَمّ الاستعمار الصَهْيُو-أميركيّ جَنْيَ المال والتَرفيه في "الريفيِيرا" الغزِّيَّة، واستثمارَ المَوارد البتروليّة وما سِوى ذلك "هُنا والآن" وعلى حساب "الشعوب الأصيلة" حتماً.
كاتب الرسالة إلى العبرانيِّين تُذكِّر المسيحيِّين بأنّ "لَم تُقاوِموا بَعدُ حَتّى ٱلدَّمِ في مُجاهَدتكم الخطيئة". صحيحٌ أنّ مَن صُفِّيَ من مسيحيِّي سوريا ينضمّ إلى قافلة الذين أُعدِموا تحتَ مُسمَّى "أنصار النظام" المخلوع. لكن كان المطلوب دوماً مِمَّن حملوا اسم المسيح يسوع الوَعيَ "والمُقاوَمة حَتّى ٱلدَّمِ في مُجاهَدتهم الخطيئة"، خطيئةَ جهل الأشرار في الداخل ومِن خارج بلدهم. كان يجب أن يكون لدى الرئاسات الكنسيّة رؤية ومخطَّط لمُواجهة النظام المخلوع، والاحتياط من وَرثَتِه خِرِّيجي القاعدة و"داعش"... كان على القيادات الكنسيّة والفكريّة والسياسيّة في سوريا وفي لبنان أن يكونوا يقِظين وذَوي بُعد نظَر في "قراءة علامات الأزمنة" وفي وضع رؤية ومُخطَّطات لبناء وطن مستقلٍّ لجميع مُكوِّناته ومعها، وفي ظلّ دولةٍ تحترم مُواطِناتها ومُواطِنيها وكراماتهم وحقوقهم. خطيئتُنا "عظيمة" لأنّا أهملنا رسالتنا وشهادتنا ونضالنا، ووصلنا إلى هذا الدرَك من الجحيم والمصير الأسوَد، ولم نتَّعِظ حتّى الساعة.
2."صُمْ حتّى ترى"
يلجأ بعض الناس إلى الصَوم من وقتٍ إلى آخَر طلباً لإنزال وَزنِهم أو اتِّباعاً لصيامٍ صحِّيّ. وغيرهم يفعل مرّةً في السنة أو أكثر، ولكن للدخول إلى أعماق النفس ليزوروا ذواتهم ويعرفوها عميقاً. ومن ثَمَّ يعودون إلى الآخَرين ليتلذَّذوا بالعلاقة معهم كما اختبروها مع ذواتِهم. مَن يرَى يَعرِف، ومَن يعرِف يتحرَّر ويُحرِّر. في العُموم. هذا ما افهَمنا مَعناه فيلوكْسانوس بقَولِه:"صُمْ حتّى ترَى"، إذا ارَدنا ان نصوم حقّاً. تَوازياً، في المجتمع الإغريقيّ يعتَقدون أن مَن يَرى يَعمل، ولكن .. نحن نتكلّم هنا عن إعادة نظر في ما أحياه في كلّ لحظة، فيَقودُني إلى العمل على غرار القائل:"أبي يعمل حتّى الآن، وأنا أعمل"(يوحنّا 17:5). هذا يُسمَّى "مِيتانُويَا"، اي توبةٌ إلى "الحقّ"، إلى الآب-مرجعيّتُنا في الحياة. الأمر جديرٌ بالاختبار: أخذ مسافة للقيام بنظرة نقديّة الى ما عشناه لفترةٍ سابقة، تمهيداً للانطلاق مُجدَّدًا إلى أرضِ موعدٍ جديدة مُنتَظرَة، إلى السَير وِفق البوصَلة نحو مركز حياتنا: الآب ! هلَّا فعَلنا؟
كاتبُ المزامير له وُجهة نظَر أُخرى. يتحدّث عن نظَر الربّ كانّه وسيلة للحُكم على البشَر (مزمور 33: 13). فيما يسوع قال:" إِنَّكُم مِن ٱلآنَ تَرَونَ ٱلسَّماءَ مَفتوحَةً، وَمَلائِكَةَ ٱللهِ يَصعَدونَ ويَنـزِلونَ عَلى ٱبنِ ٱلبَشَر". لقَد إعتقَد اليهود ماضِياً، ومِثلُهم بعض مُعاصِرينا،  أنّ السماء قد أُغلِقت لأنّ اللهَ غاضبٌ من سلوكيّات البشَر. بينما يؤكِّد يسوع أنَّ الطريقَ بين السماء والأرض "آمنة و سالكة على الخطَّين".
وبِما أنّ الصوم الرمَضانيّ تزامَن هذا العام والصوم المسيحيّ "المُشترَك"، فلننظُر في كيفيّة فهمه العميق بحسَب البروفِسُّور أحمد كريمي: "يُفهم الصوم في رمضان على أنّه نقدٌ دقيقٌ لموقفنا المعتاد في الحياة". الأمر الذي ذكَرتُه في مُطالَبتي للمسيحيِّين في حياتهم. ويوضِّح البروفِسُّور كريمي: "من يَجِد مَوطنًا له في الإسلام، لا بدّ من أن ينظُر إلى ذاته نظرةً نقديّة. من هنا يبدو الصوم كمَوقفٍ في الحياة، يَقود إلى التفكُّر بالجَوهريّ"، لأن "في رمضان، يتعلّمون فيه شيئاً جديداً، أي يقومون بأخذ مسافةٍ مع أنفسهم". المُشتَرَكات عديدة في ما بين الناس، فلِمَ لا نعمل عليها ونُنَمِّيها لصالح الكلّ؟
3. "تعال وانظُر"...
علَيه، "إِذ يُحدِقُ بِنا مِثلُ هَذا ٱلسَّحابِ مِنَ ٱلشُّهودِ، فَلنُلقِ عَنّا كُلَّ ثِقلٍ، ... وَلنَسعَ بِصَبرٍ في ٱلمَيدانِ ٱلمَوضوعِ أَمامَنا، جاعِلينَ نَظَرنا إِلى يَسوعَ، مُبدِئِ ٱلإيمانِ وَمُكَمِّلِه" (عبرانيّين 10-1:12). ولْنضَع نُصْبَ اعيُنِنا هذا الكلام لـ "بول رِيكور" وليَكُن مُحَفِّزُنا: "مَهما كان الشرُّ جَذريّاً، فهُو أقلُّ عُمقاً مِن الخَير". ولمَن يتجمَّد في الماضي الأليم الذي عمَّق الجُرح بيننا، مسلمين ومسيحيِّين، نقترح عليه الأخذ بهذا الكلام الجَوهَريّ: "للغُفران المَقدرة على فكّ الرِّباط بين الفِعل والفاعل"، أي "أن يَفصل الفِعل الذي نَرفُضه عن الفاعل الذي نُحرِّره منه".
النضال مفتاح مُستقبَل أجيالنا المُشترَكة، مُسلِمين ومسيحيِّين. لنضَع يداً بِيَد ولنَسعَ في مَيدان تَسطير خطوات تحرُّرنا والوفاء لرسالتنا وشهادتنا في أوطاننا.

فيلِپُّس أفاد نثَنائيل  بأن قد وجَدنا "ٱلَّذي كَتَبَ عَنهُ موسى في ٱلنّاموسِ وَٱلأَنبِياءُ، وَهُوَ يَسوعُ بنُ يوسُفَ ٱلَّذي مِنَ ٱلنّاصِرَة"، تلكَ الناصِيَة المحهولة. تُرى، هل فهم اليهود ذلك؟


العلامات الدالة

مواضيع ذات صلة

9/21/2025 7:41:00 PM

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان