"واسمُه عظيمٌ في إسرائيل"

الاب ايلي قنبر
1.مُضِلّون ومُضَلّون
"أَمّا ٱلأَشرارُ وَٱلمُغوونَ مِنَ ٱلنّاسِ، فَيَزدادونَ شَرًّا مُضِلّينَ وَمُضَلّين". هل الأمر صحيح؟
مَبدئيًّا ومنطقيًّا يصحّ هذا الكلام. وأكثر ما يصحّ على المُتزمِّتين ومُدَّعي امتلاك الحقيقة الذين يحكمون على مَن يختلفون معهم في الرأي بالضلال، ويعملون على هدايتهم بالحُسنى أو بالقوّة العنيفة الغاشمة.
"إنّ العدد والمال والنفوذ وما إليها ليست بديلًا من قوّة الوُدعاء"، يشهد المطران جورج (خضر). المسيحيّون في بلدي "يَخشون أن يصيروا القطيع الصغير". ويُضيف المطران جورج: "لا يذكرون أنّ اثنَي عشر رجُلًا منهم بلَا سلاح ولا بلاغة اقتحموا العالم، وينسون أنّهم كانوا يتكاثرون خلال الثلاثمائة سنة الأولى بسببٍ من الشهادة. من حيث إنّ موتهم والتأثير الروحيّ المُشِعّ من هذا الموت كانا يُنمِّيان الكنيسة. المسيحيّون رأوا القوّة حيث لم تكن". ومُشكلتنا نحن مَن انتسبوا "خطأً" -على ما يظهر- إلى يسوع الناصريّ "حتّى الآن (لسنا) مقتنعين أنّ المسيح قلب الموازين لمّا قلبَ موائد الصيارفة". قلبَها بالحبّ الباذل والغافر، بالحبّ المفتوح على مستقبلٍ مُشرِق للخاطئ: "إنّ ابنيَ هذا كان ميِّتًا فعاش، وكان ضالًّا، فوُجد"، فأخرِجوا الحُلّةَ الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتَمًا في يده، وحذاءً في رِجلَيه، وقدِّموا العِجل المُسمَّن واذبحوه فنأكل ونفرح" ... هكذا يكون قلب الموازين الحقيقيّ. ويُضيف المطران جورج"المشكلة مع المسيحيين في بلدي أنّهم باتوا لا يعرفون سِرَّهم. فقد تزاوجوا هذا العالم. يخشون أن يصيروا القطيع الصغير"(أي من الأقلِّيَّات). لذا يسمح فريقٌ منهم لنفسه بأن يكون شِرِّيرًا "دفاعًا" عن النفس، فيرتكب المعاصي مُبرِّرًا نفسه كما كان يفعل الفرِّيسيّون في الماضي. لذا قال يسوع: "اسمعوا أقوالهم، ولا تفعلوا ما يفعلون". وكما حنّا، كذلك حنَين، قسم من المسيحيّين في لبنان يرَون الملكوت كما فهمه اليهود الذين رفضوا يسوع على أنّه "المسيح" لأنّه "اتَّبع الهُدى" ولم يمشِ في طريق الشرّ والعُنف الغاشم والتدمير والقتل والوطن القوميّ الدِّينيّ.
2. "... والبادئ أظلَم"
"اَللهُ مَعروفٌ في يَهوذا، وَٱسمُهُ عَظيمٌ في إِسرائيل"، هذا ما يُصرِّح به داود، المنسوب إليه سِفْر المزامير. فكَيف يعرفون الله ويُعظِّمون اسمه، وهم لا ينفكّون ينظرون باحتقار إلى "الأُمم"، ويُشنِّعون بأطفالهم وبِنسائهم وبِرجالهم، ويضطهدونهم بِلا هوادة ويتصرَّفون كيفَما شاؤوا بمُقتَنياتهم ومُمتلكاتهم، ويقتلونهم بدَم بارد وبشراسة لم تعرفها البشريّة قطعًا قبل اليوم؟ وهذا ليس بجديد، لأننا إذا تصفّحنا بعض ما جاء في أسفار "التوراة" نجد أنّهم كانوا يُبرِّرون غزوَهم للأرض وقتئذٍ ويزعمون أنّ إلَهَهُم أمرَهم بتدمير المساكن والمعابد واستعباد بعض مَن تعرَّضوا للغزو والهزيمة لخدمتهم، وقتل البقيّة الباقية بأشكال محتلفة تسمح لهم بالتلذُّذ الدمَويّ: "اللهُ هو المُنتقِمُ لي، ومُخضِعُ الشعوبِ تحتي"( صموئيل 22: 48 - تك 4:8؛ 9: 24-27؛ 11: 6-9؛ ... إلخ)
حتّى مَن فرَزوا أنفسهم عن عُموم اليهود ليكونوا للربّ (الفرّيسيّون)، الذين قرّروا العمل بمشيئته والشهادة له، يشكُرُونه لأنّهم "ليَسوا كَسائِرِ ٱلنّاسِ ٱلخَطَفَةِ ٱلظّالِمينَ ٱلفاسِقينَ". لقد حملوا -مِن حيث يدرون أو لا يدرون- جينة الاحتقار والتشاوُف على الآخَر وقتله ولَو مَعنَويًّا: هُم ليسوا مِثلَ ٱلعَشّارين "الخطأة"، ذلك أنّهم "يَصومُون في ٱلأُسبوعِ مَرَّتَينِ، ويُعَشِّرُون كُلَّ ما هُوَ لهم". وقد صدَق بولس حيث قال: "أَمّا ٱلأَشرارُ وَٱلمُغوونَ مِنَ ٱلنّاسِ، فَيَزدادونَ شَرًّا مُضِلّينَ وَمُضَلّين". إن كانوا يعاملون بعضًا من شعبهم بهذه الطريقة، فكيف بهم مع "الأُمم"؟ مع العِلم أنّ الوصيّة الأولى تقول:" أحبِب الربّ إلهك، والثانية التي تُشبِهُها :أحبِب قريبك كنفسك".
3. "... والكلُّ يُعوِزُهم مجدَ الله"
"الكلُّ أخطأ"، نعم. و"الاعتراف بالخطأ فضيلة"، أليس كذلك؟ "وَأَمّا ٱلعَشّارُ فَوَقَفَ عَن بُعدٍ، وَلَم يُرِد حَتّى أَن يَرفَعَ عَينَيهِ إِلى ٱلسَّماءِ، بَل كانَ يَقرَعُ صَدرَهُ قائِلاً: اَللَّهُمَّ ٱغفِر لي أَنا ٱلخاطِئ" عمّا أُسيء إلى الآخَر. لا يُمكنني أن أنظر في عينَيه اللَّتَين ستكونان بمثابة مرآة تكشف حقيقتي، بل الأيسَر أن أُقِرَّ بما ارتكَبت، وأسأل الصفح والرحمة. هكذا يرى الآخَرون أعمالي الصالحة، ويُمجِّدوا الآب السماويّ. ماذا ترَون؟