بدرو جبران
منذ بداية الشغور الرئاسي، برز إسم قائد الجيش العماد جوزف عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، ويوماً بعد يوم تزايدت حظوظه وتصدّر إسمه قائمة المرشحين داخلياً وخارجياً. إلا أن موضوع تعديل الدستور لانتخاب العماد عون يثير جدلاً دستورياً، خاصة وأن الرئيس العماد ميشال سليمان انتخب في ظل شغور رئاسي من دون تعديل الدستور.
من مراجعة المادة /49/ من الدستور اللبناني، يتبين أنه يتم انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. كما أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد.
ومن مراجعة أحكام المواد /74/و/75/ من الدستور اللبناني، يتبين أنه إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية وإن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر.
ولكن، لكل مبدأ استثناء، وفي انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، انتشرت أعراف واجتهادات تجيز انتخاب موظفي الفئة الأولى رئيساً للجمهورية مخالفاً أحكام المادة /49/ من الدستور اللبناني ومن دون أي تعديل دستوري، ومن هذا المنطلق، تم انتخاب الرؤساء اللواء فؤاد شهاب وإلياس سركيس وميشال سليمان.
بالرجوع خصوصاً إلى عملية انتخاب الرئيس ميشال سليمان، ارتكز مجلس النواب ممثلاً برئيسه نبيه بري على دراسة أعدها وزير العدل السابق الدكتور بهيج طبارة اعتبر فيها أن شرط الاستقالة المسبقة المنصوص عنها في المادة /49/ من الدستور اللبناني يسقط في حال شغور منصب الرئاسة بعدم انتخاب الرئيس قبل انتهاء ولاية السلف، ما دفع الرئيس بري لدعوة مجلس النواب في العام 2008 بموجب المادة /74/ من الدستور اللبناني لاتنخاب الرئيس ميشال سليمان.
ونزيد على ذلك، اعتمد الرئيس نبيه بري عرفاً انتخابياً وفُسِرَ على أنه تعديل دستوري مبطن، ومراده هو أنه في حال نال المرشح 86 صوتاً من الدورة الأولى، أي بأغلبية الثلثين، يكون هذا الانتخاب دستورياً وشرعياً بحجة أنه لا يمكن الطعن فيه أمام المجلس الدستوري كون عملية الطعن بانتخاب رئاسة الجمهورية تتطلب ثلث أعضاء مجلس النواب أي 43 نائباً بموجب المادة 23 من قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 14/07/1993، الأمر غير المتوفر في هذه الحالة. وأكبر دليل على ذلك، عملية انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي نال 118 صوتاً وترؤسه رئاسة الجمهورية، ما يؤكد صحة العملية الانتخابية طالما لم يطعن بالعملية الانتخابية أمام المجلس الدستوري، وطالما أن المجلس الدستوري لم يصدر قراراً بذلك.
ومن زاوية أخرى، هل الفراغ الرئاسي لأكثر من سنيتين هو دستوري؟ بالطبع لا، فأحكام المادة /74/ من الدستور اللبناني تُلزم أن ينعقد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، وفي هذه الحالة يصبح المجلس الملتئم هيئة انتخابية لا تشريعية.
خلاصة القول، بمجرد نيل قائد الجيش العماد جوزف عون 86 صوتاً انتخابياً، يصبح رئيساً للجمهورية اللبنانية دون حاجة لتعديل دستوري، ويُعتبر رئيساً شرعياً دستورياً بناءً على ما تم شرحه أعلاه، بالإضافة إلى اعتراف القانون بالظروف الاستئنائية، خصوصاً أن الأوضاع الاستثنائية التي يمر فيها لبنان والانقسام الوطني الحاد الذي نعاني منه وفي ظل غياب الأمن الاجتماعي وتداعيات انهيار الوضع المالي وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي الأخير، تشكل كلها ضروريات وطنية لوجوب اجتماع القيادات اللبنانية ليصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
نبض