الاب ايلي قنبر
1." الأغنياء صرفهم فارغين"
في مجتمعاتنا عندما يُولِم[ لوقا 14:22.24-16:14.] المُقتَدِرون،ـ يدعون أمثالهم[ لوقا 6: 34-.35]. بينما الله الآب "يُنعِم على ناكِري الجميل والأشرار". الوليمة في عُرفِ كثيرين شرَفيّة ومصلحيّة وفِئَويّة. في حين وليمة الحبّ لا تستثني أحداً، وهي مجّانيّة ولا تطلب لنفسها شيئاً.
العشاء المذكور في رواية لوفا[ راجع الحاشية رقم 01.] للإنجيل هو لـِ"كثيرين". هو لمُختارين من قِبل الداعي، ولكن ليسَ محصوراً بهم، خصوصاً حين يُهمِلون الدعوة لأسبابٍ "دُنيَويّة" :"أُخرُج سريعاً إِلى شوارِعِ ٱلمَدينَةِ وَأَزِقَّتِها، وَأَدخِلِ ٱلمَساكينَ وَٱلجُدعَ وَٱلعُميانَ وَٱلعُرجَ إِلى هَهُنا...أُخرُج إِلى ٱلطُّرُقِ وَٱلأَسيِجَة، وَٱضطَرِرهُم إِلى ٱلدُّخولِ حَتّى يَمتَلئ بَيتي". العشاء الإلَهيّ جامِع وحُرّ، في حين تكون العشاءات الأُخرى انتقائيّة. "الوليمة مُعدَّة، لكنّ المدعوّين غير مستحقّين" (متى22: 8)، يقول جاك بوسويه[ 1627 – 1704.].
كلمة "إكليسِيا" (في اليونانيّة εκκλησία) أو كنيسة[ كنوشتو، بالسُريانيّة.] تعني جماعة[ كلمة كنيس في العِبريّة עברית تعنى المجمع.](متى 18: 20؛ أعمال 28: 20) أو دعوة. أي هناك مَن يُريد اللِّقاء بنا "ليَصير في خبز ومِلح بيننا". دعوة لشرِكة "حياة وافرةٍ للجميع" لا لمُجرَّد الإلفة أو المصلحة وحسْب. دعوة "كثيرين" لأن يسوع صرَّح: "لي خرافٌ أُخَر خارج هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بهم"(يوحنّا 10: 16). يقول جاك بوسويه شارحاً إنطلاقًا من السِياق اليهوديّ:" تمّ إقصاء الفريسيّين ومعلّمي الشريعة الذين كانوا يُبالغون في تقدير عدالتهم، من خلال البحث ليس عن طبيب يُداويهم ومخلِّص يُنقذهم فقط، بل عن مُخادع يُصفّق لفضيلتهم الزائفة. كلّ مَن يأتي إليّ معتبراً أنّه ممتلئ وغنيّ من تلقاء نفسه، سيَرحل فارغاً. *الأغنياء صرفهم فارغين*". (لو1: 53)
2. بين الكَينونة والامتلاك، ما هو خَياري؟
في كلّ مكان وزمان نجد مَن يعتبر الامتلاك يُحقِّق له السعادة أو الحياة المُشتَهاة، مُختَزِلًا هُوِّيَّته كإنسان بِثلاثة: أنا أملِك؛ أنا أعمل، أنا أكون! كما نجد مَن يحيَا على أساس الخيارات التي ينتقي للسَير بِهَديِها في الحياة. يختار بعد التعمُّق المُستَدام بمعرفته لنفسه، مُكتشِفاً ومُكتَنِهاً أسرار الحياة وأسراره الشخصيّة أو هُوِّيَّته الذاتيّة. السِرُّ يُنادينا في الأوقات الهامّة من حياتنا ليَكشف لنا الحقيقة والطريق، كما في المفاصل الرئيسة من عُمرنا أو في مراحل عَيشنا، كالفصح والميلاد الإلَهيّ: "لقد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة جميع الناس" التي يكتفي كثرةٌ من الناس بالاحتفال بها عبر الزينة والبهرجة ليسَ إلَّا.
هل أختار الإجابة على الدعوة إلى الوليمة، أي أن أصير أنا، وأن احيَا في زمن الله؟ تكمُن ولادتنا الحقيقيّة في أن نُولَد للّه وفي الله. لنأخُذ العبرة من المجوس الذين تنشّأوا على المعارف أو الحكمة البشريّة ويَدعوننا للسَير في الطريق "إلى السرّ الذي منذ الأزل"[ من الصلوات الطقسيّة البيزنطيّة.]."الله يُريد أن جميع البشر يخلُصون وإلى معرفة الحقّ يبلُغون". فهل أكتفي بأنَايَ، تارِكاً "للإِنسانَ ٱلعَتيقَ[ الرسالة إلى أهل قُولُسّي 3: 4-.11] مَعَ أَعمالِهِ": "ٱلزِّنى وَٱلنَّجاسَةَ وَٱلهَوى وَٱلشَّهوَةَ ٱلرَّديِئَةَ، وَٱلطَّمَعَ ٱلَّذي هُوَ عِبادَةُ وَثَن"، و"الغَضَبَ وَٱلسُّخطَ وَٱلخُبثَ، وَٱلتَّجديفَ وَٱلكَلامَ ٱلقَبيحَ" والكذِب المجال للتحكُّم بي، مُعرِّضاً نفسي لخسارة تألُّهي[ صار اللهُ إنساناً ليَصير الإنسانُ إلَهًا – القدِّيس إيريناوُس - "أنا قلتُ إنّكم آلِهة"(يوحنّا 10: 34).]؟ هل انا مستعدٌّ لِتَحوُّل جذريّ لا رُجوع عنه، أحيَا فيه حياةَ شرِكةٍ مع إلَهي؟ مريم أجابت يوماً على دعوتها: "هاءنذا أمة للربّ".
3. "وَٱلبَسوا ٱلإِنسانَ ٱلجَديدَ ٱلَّذي يَتَجَدَّدُ لِلمَعرِفَةِ عَلى صورَةِ خالِقِهِ"
جزءٌ يسير من ناس اليوم يلبس "الانسان العتيق" ويضع قناع الموت ويعيثُ فساداً في انحاء المَعمورة. هذا ما شهِد به البِرت اينشتَاين يومًا:"العالمُ خطيرٌ جداً للعَيش فيه. ليسَ لكَثرَة الأشرار، بل لصَمت الأخيَار عمّا يفعلُه الأشرار". لا حُجَّةَ لمَن تزعَم أنّها "الأكثريّة الصامتة"(أو الأوادِم) التي ليس بيَدِها حيلة. إنّ صمتها مُشارَكة في تدمير الكوكب وإفقاد الأجيال الطالعة مُستقبلاً لهُم الحقّ في التطلُّع إليه والعَيش فيه بكرامة وحُرِّيَّة ورجاء.
إنّ زُمَرَ الفساد (أي الإنسان العتيق[ قولسّي 3: 4-11.] وأعماله) تعمل تحت سِتار الحُرِّيَّة والديمُقراطيّة وحقوق الإنسان والجندَرة والسُوشِيل ميديا و"الفايڤ دْجِي" أو الجيل الخامس و"الإي آي" أو الذكاء الاصطناعيّ ومُشتقّاتها وتكذِب وتُخرِّب ولا أحَد يُحاسبها أو يتعرَّض لها. تنشر "الفَوضى الخلَّاقة" وتُسقط أنظمةً مُنتَخبَة شرعيّاً لتستبدلها بدُمى متوحِّشة تستعملها لإخضاع الناس وترويعهم. وعندما ينتهي دَور تلك الدُمى تُشهِّر بها وتنشر عبر الإعلام وثائق وأفلاماً، منها الصحيح وأكثرها المُفَبرَك شهادةً على فسادهم الفاقع.
هل نرغَب في التحوُّل كما الشرنقة إلى فراشة تُزَيِّن عالم البشر؟ هل نرغب في مُقاوَمة الكذِب والفساد تحريرًا لأنفُسِنا ولبعضنا بعضًا؟ هل نرغب في إنشاد ما يُؤكِّد على تحوُّلنا وتَوبتنا العميقة والعمَل المُحرِّر(لوقا 4: 16-22)، ونقول:"تعال بيننا، أقِم عندنا، وخُذ من قلوبنا لكَ مسكِناً" ؟
نبض