أوروبا تواجه ترامب... متفرقة!

كتاب النهار 05-02-2025 | 08:24

أوروبا تواجه ترامب... متفرقة!

تعاني الكتلة الأوروبية من الفرقة، فيما تنشغل كبيرتا الدول الأعضاء، فرنسا وألمانيا، بأوضاعهما الداخلية المتأزمة. والمفوضية الأوروبية عاجزة عن توحيد صفوف الدول الأعضاء، إذ إنها تصارع في كل مناسبة لإقناع أوربان وفيكو بتمرير قرار يتصل بفرض عقوبات على روسيا أو تقديم دعم من نوع أو آخر لأوكرانيا التي تعتبر بروكسيل أن قضية الدفاع عنها هي أم القضايا!
أوروبا تواجه ترامب... متفرقة!
نموذج مصغر للرئيس الأميركي دونالد ترامب وعلم الاتحاد الأوروبي. (رويترز)
Smaller Bigger
في البدء كان القلق والاستغراب في أوروبا التي لم تكد تصدق أن الرئيس الأميركي الجديد سيفعل كل ما كان يهدد به قبل انتخابه. ولعل البعض ظنّ الصخب الترامبي عن أعمال انتقامية مزمعة ضرباً من الهذر. ثم تحولت هذه المشاعر المتضاربة إلى ما يشبه "الفوضى غير الخلاقة"، عندما بدأ "زعيم العالم الحر" يلحّ على "شراء" جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك ويلوح بالقوة إذا لزم الأمر لنيل "حقه" المشروع في الاستيلاء عليها! وحينما أخذ يفرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والصين، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي سينال نصيبه منها "بلا ريب"، تعالت أصوات أوروبية منددة، فيما سعت أخرى إلى استعمال نبرة مهادنة تعبر عن الحرص على مصالح أوروبا وعلى استمرار الود مع واشنطن. وكثُر الكلام عن الوحدة وضروراتها، فيما كان التشرذم الصريح أو الخلاف المضمر، هو ضابط إيقاع العلاقات بين 27 دولة عضواً، كل منها يبدو وكأنه يغني على ليلاه.
اللافت أن هجوم ترامب على الدنمارك، إحدى دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ترافق مع قفزة واضحة في سطوة اليمين المتطرف في أوروبا. وإذ كانت النمسا لاتزال تستعد لتسلم حزب "الحرية" العنصري زمام الحكم للمرة الأولى، أقسم بارت دي فيفير اليمين الدستورية رئيساً للحكومة البلجيكية الائتلافية الجديدة. وفيفر هو زعيم "الحزب الفلمنكي الوطني" اليميني المتشدد. 
في السياق نفسه، تعاظمت قوة اليمين المتطرف في ألمانيا مع تسجيل حزب "البديل" اليميني المتشدد اختراقاً مهماً. فقد رضي فريدريش ميرتس زعيم الحزب المسيحي الديموقراطي، المرشح الأقوى حظاً بالفوز في الانتخابات الوشيكة، بالتعاون مع الحزب العنصري. وتيار أقصى اليمين الصاعد متعاطف بقوة مع الرئيس الأميركي، ويؤيد بعض أطرافه، بمن فيهم فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر وروبرت فيكو رئيس وزراء سلوفاكيا، فلاديمير بوتين أيضاً. 
ثمة توجه أوروبي ثان تتبناه بولندا ودول البلطيق وعدد من الدول الاسكندنافية التي تصر على عدم استعداء ترامب واختبار عزمه على فرض رسوم جمركية على دول الاتحاد. وتدعو إلى شراء المزيد من السلاح الأميركي، ليس فقط تلبية لرغبة سيد البيت الأبيض برفع الإنفاق الدفاعي، بل أيضاً لإرضائه بتقليص التفاوت الذي يؤرقه في الميزان التجاري بين بلاده ودول الاتحاد الأوروبي التي تبيع أميركا أكثر مما تشتري منها بكثير.
وأولاف شولتس، بمفرده ربما، يمثل نمط تعامل ثالثاً مع الرئيس الأميركي يقوم على الاحتقار المتبادل. وإذ لم يكشف المستشار الذي يرجح أنه سيصبح قريباً خارج السلطة في ألمانيا، صراحة عن مدى استخفافه بخصمه، فهو يخوض حرباً مع إيلون ماسك، حليفه. ولا يستبعد أن بعض ضربات الملياردير المثير للجدل، هي هجمات بالوكالة لترامب على شولتس.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فهناك من يصف تعاطيه مع ترامب بالأناني لكونه يهدف بشكل أساسي إلى تسلم فرنسا زعامة المعسكر الداعي لاعتماد أوروبا على نفسها حتى في القضايا الدفاعية والأمنية عوضاً عن اتكائها على الولايات المتحدة. لكن التخلي عن واشنطن، برأي مارك روته، الأمين العام للناتو لا يستحق النقاش حتى، باعتباره مجرد "فكرة سخيفة". 
والتناقض الذي يبدو أكثر حدة من هذا الاختلاف في الرأي بين روته وماكرون، هو سيد الموقف في أوروبا. لذا يبدو تصريح أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية بأنه "عندما يُستهدف الاتحاد الأوروبي بشكل ظالم أو تعسفي فإنه سيرد بحزم"، وكلام أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي عن وقوف أوروبا وقفة رجل واحد في وجه الرئيس الأميركي، نوعاً من المزاح السمج. 
تعاني الكتلة الأوروبية من الفرقة، فيما تنشغل كبيرتا الدول الأعضاء، فرنسا وألمانيا، بأوضاعهما الداخلية المتأزمة. والمفوضية الأوروبية عاجزة عن توحيد صفوف الدول الأعضاء، إذ إنها تصارع في كل مناسبة لإقناع أوربان وفيكو بتمرير قرار يتصل بفرض عقوبات على روسيا أو تقديم دعم من نوع أو آخر لأوكرانيا التي تعتبر بروكسيل أن قضية الدفاع عنها هي أم القضايا!
الأدهى، أن الانقسام لا يقتصر على الموقف الأوروبي من الإدارة الجديدة في واشنطن وإملاءاتها، فدول الاتحاد تتباين إلى حد كبير في كيفية تعاملها مع الصين، "العدو" المعلن للزعيم الأميركي. مثلاً فرضت الصين جملة من العقوبات على ليتوانيا لكونها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع تايوان، بينما عززت على الدوام صلاتها القوية مع ألمانيا. وواصلت برلين وعواصم أخرى تمتين أواصر التعاون مع الصين على رغم محاولات البعض اتخاذ إجراءات مضادة لبكين إرضاء لترامب. مثلاً سعى ماروش شيفوفيتش، مفوض التجارة الأوروبي (السلوفاكي)، قبل أيام إلى إنشاء تحالف أوروبي- أميركي "لمجابهة التحديات" الصادرة عن الصين. إلا أن جهوده باءت بالفشل، أقله لأن الآخرين لا يمكنهم استعداء بكين ثاني أكبر شريك للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة. و بلغت قيمة التبادلات التجارية بينها وبينه قبل عامين 739 مليار يورو (نحو 762مليار دولار). 
لم تستطع دول الاتحاد الأوروبي تبني موقف واحد حيال الصين، أو نزاع الشرق الأوسط حتى في ذروة حرب غزة، ولا بشأن البيئة، فهل تستطيع أن تتحدث مع الولايات المتحدة بصوت واحد ناهيك بفرض إجراءات عقابية عليها؟
تكهن محللون قبل الانتخابات الرئاسية بأن انتصار ترامب سيشكل خطراً داهماً من شأنه أن يحمل الأوروبيين على رصّ الصفوف. فات هؤلاء أن يتذكروا تكهنات مماثلة متفائلة حول الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يكمل قريباً سنته الثالثة من دون أن يوحّد كلمة الأوروبيين! 
والمفارقة أنه بينما تجتهد أوروبا لحماية أطرافها القصية في أوكرانيا من العدو الروسي، ها هو الصديق الأميركي يهمّ بقضم قطعة من قلبها. وثمة شكوك واسعة في أنها قوية بما يكفي للتصدي للشهوة الإمبريالية الأميركية، لاسيما أن الشروخ العميقة تشلّ قدرتها على الفعل الموحد. 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 1:59:00 AM
حكومة بنيامين نتنياهو تجري مشاورات هاتفية عاجلة بشأن تعديلات على قوائم الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم في إطار خطة ترامب.
النهار تتحقق 10/15/2025 10:36:00 AM
"الرهائن الإسرائيليون بالبيجامات الكاستور المصرية". ضجة في وسائل التواصل بسبب مشاهد تقصّت "النّهار" صحّتها. 
لبنان 10/15/2025 7:13:00 AM
التفجير استهدف مجدداً حي المساير الذي تعرض سابقاً لأكثر من عملية مماثلة
سياسة 10/15/2025 6:09:00 PM
غارة من مسيرة تستهدف رابيد على طريق صديقين وأنباء عن إصابات