"تجميد السلاح" بدل نزعه... بين غزة ولبنان؟
بين المبادرة التي نسبت إلى وزير الاستخبارات المصرية حسن رشاد حول تجميد سلاح "حزب الله" أو تخزينه وما نُقِل عن المبعوث الأميركي توم برّاك قولُه في منتدى الدوحة من أنه "ليس من الضَّروري نزعُ سلاح الحزب، انما الهدف أن نمنعَه من استعماله"، لافتاً إلى وجوب أن "يكون هناك حوارٌ مباشر بين لبنان وإسرائيل، غير حوار الـ"ميكانيزم""، مشيراً إلى أن "سفيرنا عيسى سيقوم بالمهمَّة" في هذا الإطار، مؤشرات لا يمكن اهمالها.
ومع أن براك يستمر في إطلاق تصريحات مقلقة تتعلق بلبنان على غرار اعتباره في المنتدى نفسه أنه "يجب جمع سوريا ولبنان معاً لأنهما يمثلان حضارة رائعة"، مضيفاً "أن كل قرارات الغرب في شأن الشرق الأوسط منذ سايكس بيكو كانت خاطئة"، فان هذه النقطة ليست جديدة في الواقع. وحين أثارها براك في أيار الماضي بانتقاده على نحو حاد عبر تغريدة على منصة "إكس" "لاتفاق سايكس بيكو والقوى الاستعمارية الأوروبية، معتبراً أنها السبب وراء تقسيم المنطقة، ومن ضمنها سوريا"، حصد جملة تفاعلات مستنكرة ومدينة في الوقت نفسه. لكن هذا الكلام يربك اللبنانيين ويثير قلقهم ويرغبون في استكشاف أبعاده لجهة احتمال إعادة تسليم الولايات المتحدة بالوصاية السورية على لبنان، في تدخل يناقض انتقاد براك نفسه عن تدخل الخارج الغربي في تقرير مصير المنطقة.
تأخذ مبادرة المسؤول الأمني المصري وكلام براك أبعاداً إضافية في ظل تسريب أنباء للصحافة الإسرائيلية (يديعوت أحرونوت) تفيد بأن إسرائيل رفضت مهلة العامين التي تطالب بها قطر وتركيا لنزع سلاح حماس وتصر على "أشهر فقط"، فيما أعلن مسؤول رفيع في حركة "حماس" في نهاية الأسبوع أن الحركة مستعدة لمناقشة مسألة "تجميد أو تخزين" ترسانتها من الأسلحة ضمن اتفاقها لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، ليقدم بذلك صيغة محتملة لحل إحدى أكثر القضايا تعقيداً في الاتفاق الذي تم بوساطة أميركية.
توفر هذه المؤشرات عناصر داعمة للصيغة التي يتحدث بها المسؤولون في لبنان في شأن المرحلة الثانية من خطة الجيش التي تقوم على مبدأ احتواء السلاح التي يتم تكرارها في المناطق الأخرى غير جنوب الليطاني. وهو ما يشير إلى أن أفكاراً متقدمة تسلك هذا السبيل بمعنى أنه يستحيل على الدولة اللبنانية إنهاء نزع السلاح من الحزب في لبنان ليس في مهلة آخر الشهر بل على امتداد سنوات عدة. ونموذج نزع سلاح "حماس" في غزة بدفع إسرائيلي وأميركي ومشاركة إقليمية لدول فاعلة ومؤثرة لا يقارب موضوع نزع سلاح الحركة وفق ما يطلب من الجيش اللبناني القيام به استناداً إلى ما قام به حتى الآن في جنوب الليطاني.
المغزى من ذلك أن تجميد السلاح أو تخزينه يفترض أن يوضع تحت رقابة وإشراف مؤسسات أو جهات موثوق بها بضمانة دولية وفي الوقت الذي يوفر للحزب لا بل للثنائي الشيعي ماء الوجه في مقابل الضمانات التي ستعطى له لقاء ذلك، فإنه يعني أن لا استخدام محتملاً لهذا السلاح لسنوات عدة مقبلة وربما أبداً أو إطلاقاً، إذا سلكت التسوية السلمية مسارها في اتجاه لبنان كذلك. وبذلك يتحول السلاح المتبقي، باعتبار أن إسرائيل بإضعافها الحزب إنما أطاحت بجزء كبير من ترسانته، إلى ما يشبه الخردة ما دام الحزب ومعه إيران لا يقتنعان بضرورة إتاحة الاستفادة منه من الدولة اللبنانيةإاذا أمكن ذلك أو استعادته من إيران أو بيعه ربما، علماً أن هذه النقطة الأخيرة قد تكون حدودها منع إتاحة حصول الحزب على تمويل إضافي.
وكما تقول "حماس" عن "الاحتفاظ بحقها في المقاومة " مع استعراضها الاحتمالات لسلاحها أي تخزينه أو تجميده أو حتى إلقائه والتخلي عنه، فإن الأمر ينسحب على الحزب الذي يستخدم السردية نفسها عن "استمرار المقاومة" وراهناً عدم الموافقة على التخلي عن السلاح في انتظار اكتمال المسار التفاوضي الجاري على أكثر من مستوى، تماماً كما جرى الاتفاق على رفع مستوى التفاوض في لجنة الميكانيزم إلى رئاسة ديبلوماسية سياسية بتكليف السفير السابق سيمون كرم رئاسة الوفد اللبناني. فالبحث جار منذ أشهر في اللقاءات المغلقة حتى الإعلان المفاجئ عنها على ما قد تكون عليه الحال بالنسبة إلى سلاح الحزب في الأشهر الأولى من السنة المقبلة وحتى قبيل الانتخابات النيابية التي تشكل جزءاً من بازار الضمانات للثنائي الشيعي في المرحلة المستقبلية، أقله وفق ما تعتقد مصادر ديبلوماسية مراقبة.
rosannabm @hotmail.com
نبض