الإطار الجيوسياسي لزيارة وليّ العهد السعودي لواشنطن: الآفاق والتحديات

كتاب النهار 18-11-2025 | 04:40

الإطار الجيوسياسي لزيارة وليّ العهد السعودي لواشنطن: الآفاق والتحديات

الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لواشنطن ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل محطة مفصلية تكشف عن تحولات عميقة في ميزان القوى الذي حكم العلاقة بين الرياض وواشنطن لعقود.
الإطار الجيوسياسي لزيارة وليّ العهد السعودي لواشنطن: الآفاق والتحديات
القمة المرتقبة بين ترامب وبن سلمان اختبار حقيقي لبناء شراكة تستجيب لمعادلات القرن الحادي والعشرين. (أ ف ب)
Smaller Bigger

الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لواشنطن ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل محطة مفصلية تكشف عن تحولات عميقة في ميزان القوى الذي حكم العلاقة بين الرياض وواشنطن لعقود. فبعد أكثر من سبع سنوات على آخر زيارة مماثلة، ومع تجاوز ما سُمّي "فجوة بايدن"، تأتي هذه القمّة في سياق إقليمي ودولي شديد الاضطراب، حيث لم تعد العلاقة الثنائية محكومة بالمعادلة التقليدية: "النفط والدولار مقابل الحماية والدفاع" التي أرست أسس التحالف منذ لقاء الملك عبد العزيز والرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945 على متن السفينة "يو إس إس كوينسي"؛ اليوم تبدو المعادلة أكثر تعقيداً في جانب وأكثر هشاشة في جانب آخر.

تحوّلات استراتيجية سعودية

منذ إطلاق رؤية 2030، دخلت المملكة مساراً استراتيجياً لتنويع اقتصادها، ما جعلها أقل اعتماداً على النفط وأكثر انفتاحاً على التكنولوجيا والاستثمار العالمي. هذا التحول يمنح الرياض أوراق قوة جديدة، لكنه يفرض عليها في الوقت نفسه تحديات غير مسبوقة، أبرزها الحاجة إلى ضمانات أمنية دائمة في ظل بيئة إقليمية متقلبة.

وهنا يبرز السؤال: هل تستطيع واشنطن تقديم هذه الضمانات في وقت تتزايد فيه الضغوط عليها لتتقدم خطوة نوعية مختلفة عن السابق، بحيث تستثمر قوتها الفائقة وتأثيرها الحاسم لفرض الاستقرار في الشرق الأوسط؟ فبدون هذا الاستقرار، لا تقدم ولا تطور ولا رفاهية.

ملفات القمة: اقتصاد وأمن وتكنولوجيا

اللقاء بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب سيناقش ملفات ضخمة جرى الإعداد لها بشكل مكثف خلال الأسبوعين الأخيرين، أبرزها:

· تفعيل الوعد السعودي باستثمارات تصل إلى 600 مليار دولار في الولايات المتحدة.

· تعاون متقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي.

· برنامج نووي مدني.

· اتفاق دفاع ملزم.

لكن خلف هذه العناوين تكمن معادلة تفاوضية صعبة؛ فالسعودية لا تبحث عن حرب، بل عن توازن ردع فعلي يمنع أخطارها عبر ردم الفوارق الاستراتيجية مع خصومها. في المقابل، تبدو الولايات المتحدة أقل استعداداً للالتزام الطويل الأمد بفعل الانقسامات الداخلية وتراجع أولويات التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط. هذا التباين يثير تساؤلات حول مدى واقعية الرهان السعودي على ضمانات لا تتأثر بتغيير الإدارات.

التطبيع مع إسرائيل: الورقة الأكثر حساسية

يبقى ملف التطبيع مع إسرائيل الأكثر حساسية. الرياض تربط أي تقدم بمسار لا رجعة فيه نحو إقامة دولة فلسطينية، إضافة إلى شروط استراتيجية تشمل الدفاع والنووي والذكاء الاصطناعي. هذه الشروط تعكس إدراكاً سعودياً بأن التطبيع بلا مقابل سياسي سيقوّض شرعية المملكة إقليمياً. لكن واشنطن تبدو عاجزة عن تقديم ضمانات حقيقية في ظل حكومة إسرائيلية متشددة، ما يجعل هذا الملف أقرب إلى ورقة ضغط أو "إنجاز مؤجل" منه إلى اتفاق وشيك.

سياق إقليمي مضطرب

القمة تأتي في ظل توترات متصاعدة:

· هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي اعتبرته واشنطن محاولة لعرقلة التطبيع.

· الهجوم الإسرائيلي في قطر الذي عزز مطلب الخليج بضمانات أمنية أميركية واضحة.

واهتمام واشنطن الأخير بسوريا الجديدة أراح الرياض لأنه يتماشى مع طلباتها، إذ سبق لترامب أن عزا موقفه الإيجابي من سوريا بقيادة الشرع إلى طلب من وليّ العهد السعودي، قائلاً بوضوح إن "طلبات الأمير محمد لا تُرد". هذه الإشارة تكشف عمق النفوذ السعودي في صياغة بعض المواقف الأميركية، لكنها تطرح أيضاً سؤالاً عن مدى استدامة هذا النفوذ في ظل تغير الإدارات.

عودة أميركية إلى الشرق الأوسط

المخاوف من التذبذب الأميركي تخفف من حدتها العودة الأميركية القوية إلى الشرق الأوسط بعد أحداث 7 أكتوبر والهجوم الروسي على أوكرانيا. هذه العودة ليست مجرد رد فعل، بل جزء من استراتيجية لتعزيز الحضور عبر حلفاء أقوياء. وفي هذا الإطار، لا يخفي ترامب اعتباره ولي العهد السعودي "أقوى حليف لواشنطن"، ما يضع المملكة في قلب معادلة النفوذ الأميركي المتجددة.

اختبار لشراكة القرن الحادي والعشرين

إذن، القمة المرتقبة بين الرياض وواشنطن ليست مجرد لقاء لتبادل المجاملات، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة الطرفين على تجاوز إرث العلاقة التقليدية وبناء شراكة تستجيب لمعادلات القرن الحادي والعشرين. السعودية تدخل هذه القمة بأوراق قوة اقتصادية واستراتيجية غير مسبوقة، لكنها تدرك أن ضمان أمنها الإقليمي لا يزال مرتبطاً بقرار أميركي قد يكون متقلباً. في المقابل، تواجه واشنطن معضلة الحفاظ على نفوذها في منطقة لم تعد تقبل دور الحامي بلا مقابل سياسي واقتصادي واضح.

إذا نجحت القمة في صياغة تفاهمات ملزمة حول الدفاع، النووي المدني، والذكاء الاصطناعي، فقد نشهد بداية مرحلة جديدة تعيد رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط. أما إذا بقيت الوعود بلا ضمانات، فإن الرياض ستواصل البحث عن بدائل، بما في ذلك تعميق شراكاتها مع قوى أخرى مثل الصين والهند، وهو ما قد يسرّع تراجع الدور الأميركي في المنطقة.

بين الطموح السعودي والتردد الأميركي، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام ولادة تحالف استراتيجي متجدد؟

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/17/2025 9:19:00 AM
منذ ساعات، يستحوذ الفيديو على اهتمام مستخدمين كثر تفاعلوا معه بآلاف اللايكات والتعليقات. ما قصته؟ 
النهار تتحقق 11/17/2025 11:20:00 AM
"هذه الصور وصلتنا قبل قليل للخلية التي ألقت عناصر من الأمن والداخلية السورية القبض عليها، وهي تابعة لحزب الله..."، تقول المذيعة. ما حقيقة هذا المقطع؟
العالم 11/17/2025 6:30:00 AM
لم يتم بعد الكشف عن طبيعة الحادث الذي تعرضت له الحافلة.
سياسة 11/16/2025 7:55:00 PM
يتمتع مرتينوس بخبرة تزيد عن 25 عاماً في ممارسة المحاماة، وقد شغل عدة مناصب داخل نقابة المحامين في بيروت قبل ترشحه للنقابة