حيوية الرياض ونقاشاتها المتنوعة
تشهد العاصمة السعودية الرياض حيوية كبيرة على صعد مختلفة: سياسية، اقتصادية، ثقافية، فنية، واجتماعية، ورياضية. وكثير من مظاهرها يتجلى في المؤتمرات والمعارض التي تقام، أو الزيارات السياسية والاقتصادية الرسمية منها أو تلك التي تقوم بها وفود لمراكز أبحاث ودراسات ومؤسسات فاعلة في المجتمع المدني.
لم يكن منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" هو الفعالية الوحيدة المهمة التي شهدتها الرياض أخيراً، والتي اكتسبت زخماً كبيراً لتحولها منصة يجتمع فيها قادة المال والأعمال والتقنية الكبار في العالم، وتشهد نقاشات اقتصادية وسياسية شفافة وراهنة، وحضر إحدى جلساتها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حينما تحدث الرئيس السوري أحمد الشرع عن التطورات في سوريا ومستقبل الاستثمار.
شهد تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، معرض الرياض الدولي للكتاب، وملتقى الصحة العالمي، والقمة الأكاديمية العالمية، ومنتدى الأفلام السعودية، وأسبوع الرياض للأزياء، وبطولة كأس الملوك الستة للتنس، وكأس العالم إكستريم؛ وهذه الفعاليات ما هي إلا أمثلة فقط على نشاطات باتت شبه يومية في العاصمة السعودية التي يأتي إليها الزوار من دول العالم المختلفة، ليشاركوا في هذا الحراك، ويكتشفوا الفرص الاستثمارية، ويتعرفوا إلى السعودية وثقافاتها المختلفة.
ليس هذا وحسب، بل هنالك مستوى آخر لا يقل أهمية، ويتمثل في النقاشات الحيوية داخل المجالس والديوانيات المحلية، بين السعوديين أنفسهم، وأيضاً مع القادمين إليهم من أصدقاء أو ضيوف محل ترحاب وحفاوة كبيرة من العائلات السعودية؛ وهي نقاشات مفتوحة على آفاق مختلفة ومتنوعة، ولا تنحصر بحقل معين، بل تتنوع بين السياسة والمال وكرة القدم والتقنية والدين والفكر والفن والتاريخ، وهذه النقاشات تتسم بقدر كبير من الصراحة والمباشرة، وتكشف عن اهتمام ومتابعة من المواطنين لما يحدث في دولتهم، وعن أنهم جزء من هذا التغيير، مشاركون فيه، لهم رأيهم الخاص المحترم، ويمتلكون القدرة على التحليل وتقديم وجهات نظر رصينة!
بالتأكيد، تتفاوت الآراء من مجلس إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وذلك تبعاً لتباين العقول والخبرات، ولذا قد تجد آراء تقليدية أو فيها شيء من الوهن، أو غير قادرة على مواكبة ما يجري من تطورات بالسرعة ذاتها؛ إلا أنني من تجربة شخصية في النقاشات التي حضرتها، وجدت أن هنالك احتراماً لاختلاف وجهات النظر، وتفكيراً منفتحاً على الآراء المتعددة، وإعلاء لقيم مثل: سيادة القانون، مدنية الدولة، المساواة، حرية التفكير، العدالة الاجتماعية... كما هنالك نقد صريح وواضح للخطابات المناطقية والعنصرية والطائفية، وانحسارٌ لسرديات رجال الدين المتطرفين، وانزياح نحو الاعتدال.
من الطبيعي أن تكون هنالك فئات ترفض التحديث، أو ممانعة لتمدنِ الدولة والمجتمع، إلا أن تأثيرها بدأ بالتراجع، خصوصاً مع تلمس المواطنين الآثار الإيجابية لمشاريع "رؤية المملكة 2030" وكيف أنها منحتهم مزيداً من الحريات الاجتماعية والفرص التعليمية والاقتصادية، وهذا ما تريده غالبية السعوديين.
نبض