المسار "المذهل" للشرع إلى واشنطن
مسار مذهل سلكه النظام السوري الجديد مع استقباله المتوقع في واشنطن من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أقل من سنة على وصول احمد الشرع إلى السلطة وتسلمه الرئاسة في سوريا فيما تولت الولايات المتحدة بالذات اقتراح مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل رفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير داخليته أنس الخطاب.
هذا "الإذهال" بدأ في الواقع مع انفتاح الرئيس الاميركي على الشرع برعاية مباشرة من المملكة العربية السعودية في أثناء زيارة الرئيس الأميركي للمملكة في أيار /مايو الماضي ولا يزال مستمراً في الانخراط الأميركي المباشر في سوريا ومساعدته إن في السويداء والمواجهة التي حصلت مع اسرائيل، أو مع قسد والدفع في اتجاه تعزيز الجيش السوري وتقويته.
ومن شأن استقبال الرئيس الأميركي الشرع في البيت الأبيض منحه حصانة كبيرة في وقت لا يزال يحتاج إلى تدعيم ركائز حكمه إزاء مختلف القوى السورية، فيما تثبت واشنطن أن سوريا "عادت إلى صفنا" وفق تعبير للموفد الأميركي توم براك الذي تولى الدفع الجديد الأميركي في سوريا ويعود إليه الفضل في تحقيق نجاح كبير في هذا الإطار . فيما يترجم هذا التعبير أي عودة "سوريا إلى صفنا " هذا الابتعاد الموضوعي عن الحضن الروسي من جهة، ولو أنه لم يقطع علاقاته مع روسيا ، والابتعاد الأساسي والأهم عن إيران مع قطع أهم ركيزة استراتيجية لإيران في المنطقة ومفاعيل ذلك في اتجاه العراق كما في اتجاه لبنان والأكثر أهمية في اتجاه إسرائيل . فسوريا كانت دوماً مهمة للولايات المتحدة في المنطقة، ولكن سوريا تحت حكم حافظ الأسد ثم تحت حكم نجله بشار كانت تلاعب الولايات المتحدة ليس سياسياً فحسب، بل أمنياً كذلك، فيما أن النظام الجديد يبدو أكثر مباشرة، ويمكن أن ينفذ بعيداً من ألاعيب سوريا في عهد الأسدين وفي ظل الحاجة الماسة للشرع لأخذ سوريا إلى المقلب الآخر وتجربته على الأقل.

كلام توم براك الذي يدمج فيه عادة بين الدور الذي يضطلع به في سوريا وما يقوم به في لبنان ويختصره بكلام قاس عادة تجاه هذا الأخير يحتل غالباً واجهة الاهتمام ويحيد الأنظار عما يقوله ويبديه إزاء سوريا . وهو حدد أخيراً مثار الاهتمام به بجملة نقاط تختصر المسار الذي قاد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة ويقوده إلى واشنطن مطلع الأسبوع المقبل . قال براك "إن سوريا تمثل القطعة المفقودة في لوحة السلام"، ودعا إلى إلغاء قانون قيصر الذي "أدى غايته الأخلاقية ضد النظام السابق، لكنه يخنق الشعب السوري الآن " .
وأضاف أن سوريا لم تعد كما كانت، إذ استعادت علاقاتها مع تركيا والسعودية والإمارات ومصر وأوروبا، وبدأت محادثات حدودية مع إسرائيل. فيما أن لكل من الدول الخليجية المؤثرة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية كما لتركيا الدور الأبرز في فتح الأبواب الأميركية بشكل أساسي أمام الشرع، وحتى أبواب أوروبا والعالم كذلك . وأضاف براك أيضاً عاملاً مهماً مفاده أن استقرار سوريا يشكل الركيزة الأولى لـ "أمن إسرائيل الشمالي"، فيما الركيزة الثانية هي نزع سلاح "حزب الله" وبدء المحادثات الحدودية مع إسرائيل بما يعنيه النظام السوري الجديد من تحجيم النفوذ والامتداد الايراني في المنطقة وعلى الحدود مع اسرائيل بعدما كانت إيران تهدد عبر وجودها الاستراتيجي في سوريا دول المنطقة العربية بأسرها . والبعض يضيف إلى هذه الاعتبارات الاستيعاب الأميركي لتوجهات كانت تعتبر حتى الأمس القريب متطرفة وغدت في موقع المشاركة في محاربة التطرف الديني وفقاً للتوقيع المرتقب للشرع على المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب أثناء زيارته العاصمة الأميركية.
هذا لا ينفي المسار الطويل أمام سوريا للتعافي وإعادة البناء لا سيما في ظل تقارير عن استمرار الوضع مأسوياً حتى بعد اقتراب انتهاء سنة في كانون الأول المقبل على إسقاط حكم بشار الأسد . لكن الرافعة الأميركية تبدو في غاية الأهمية لسوريا التي كانت ولا تزال مهمة جداً من حيث موقعها ودورها في المنطقة، علماً أنها تفتح كذلك أبواباً كبيرة للاستثمار في إعادة بنيتها التحتية واقتصادها المنهار وهي حقل تنافس سياسي جيواستراتيجي راهناً بين دول إقليمية عدة بحيث يحول دون التنبؤ باحتمالات نجاح النظام الجديد من عدمها . فيما أن لبنان في المقابل كان ينتظر رافعة أميركية مماثلة لم تحصل.
[email protected]
نبض