"مياه تنورين" عرّضت السلم الأهلي للخطر

بلغ الفحيح الطائفي والحقد المذهبي مياه لبنان. ثمة مياه مارونية وأخرى شيعية، وحبذا لو تكون المياه علمانية. في معرض متابعة ملف "مياه تنورين" صدرت مواقف مدافعة عن الشركة من منطلق أن أصحابها من آل حرب من تنورين، وأقرب إلى "القوات اللبنانية"، وأن أكثرية موظفيهم مسيحيون، وبالتالي فإن قرار وزير الصحة ركان ناصر الدين، الشيعي الذي يمثل "حزب الله" في الحكومة، يستهدف "القوات" والمسيحيين، خصوصاً أنه تسرع في القرار ولم يجر فحوصاً دقيقة على شركات أخرى مشابهة، وتلك التي يملكها أصحاب شركات من طوائف أخرى.
ثم خرج أحد الناشطين والمؤثرين الشيعة عبر منصات التواصل الاجتماعي يدعو إلى مقاطعة الشركة لأن أصحابها "قوات لبنانية" وأقرباء للمحامي مجد حرب، ويطالب بفيديرالية مائية قائلا: "إن الشيعة يملكون العدد والإمكانات، فلماذا لا ينتجون مياههم بأنفسهم؟"
ورد عليه آخرون بأن تراجع أعمال الشركة ومداخيلها، وتعرضها للخسارة، سيدفعان إدارتها إلى التخلي عن موظفين، فما بالك إن أحصت الموظفين الشيعة في صفوفها، وعمدت إلى صرفهم أولاً؟
ويوضح وزير الصحة أن عمله تقني ومهني، و"لا علاقة له بالسياسة أو بالدين"، وإن كانت تداعياته أصابت أناساً من لون محدد.
هذا الجدل يفضح تخلف المجتمع (وليس كل المجتمع) الممسك بالدين من ذنبه، كما يقال، إذ إن كل دين لا يحرّم شرب المياه النظيفة من أي مصدر أتت، إذ ليس للمياه مذهب ودين، وليس للهواء طائفة، وليس للطريق انتماء حزبي...
العقوبة واجبة على كل شركة مخالفة، وخصوصاً إذا كانت الشركة تعلم بخطئها وتعمدت إهماله، سواء كان أصحابها موارنة أو شيعة، "قوات" أو "حزب الله"، لأن الدين الحق يجب أن يتصدّى للجريمة التي تعمّ كل المجتمع، وتصيب كل الناس، وخصوصاً الفئات الأكثر ضعفاً، وأصحاب المناعة الضعيفة.
والإجراء العقابي، أو المحاسبي، واجب على "مياه تنورين" إذا كان إنتاجها ملوثاً، إذ من المؤكد أن أياً منا لا يقبل أن يشرب أبناؤه مياهاً ملوثة، والإجراء واجب تطبيقه على وزيري الصحة والزراعة، إذا كانا قد أخطأا في حق الشركة، وظلما أصحابها، وتسببا لها بالخسائر الفادحة، أياً تكن طائفة أصحاب الشركة والوزيرين أو مذهبهم. لا يمكن بناء دولة بهذه العقلية، ولا يمكن التطور والتقدم وسط هذا الانحطاط الاجتماعي والأخلاقي.
على الشركة أن تعتذر إلى الناس إذا لم تثبت براءتها في شكل صريح وواضح، وتعوّض الأضرار التي تسببت بها. وعلى الوزيرين أن يعتذرا إلى الشركة وأصحابها أولاً، وإلى اللبنانيين عموماً، والرأي العام الذي وصله الخبر وتفاعل معه ثالثاً، إذا كانا أخطأا، لأن خطيئتهما تسببت بخسائر ليست فقط مالية، وإنما معنوية، اجتماعية، ووطنية، وعرّضت السلم الأهلي للخطر.