جثث الأسرى وانشغالات ترامب بأوكرانيا وفنزويلا... رهانات نتنياهو لتحييد الضغط الأميركي

التعقيدات التي ترافق عثور "حماس" على جثث أسرى إسرائيليين وتسليمها وفق الجدول الزمني الذي حددته الخطة الأميركية (72 ساعة من دخول وقف النار حيّز التنفيذ)، عيّنة من العقبات التي تهدّد بحرف الخطة عن مسارها والعودة إلى استئناف القتال.
الأسباب التي توردها "حماس" حيال عدم تلبيتها تسليم كامل الجثث وعددها 28، مثل وجود بعضها تحت ركام أبنية منهارة بالكامل، تجد نوعاً من التفهّم إلى حدٍّ ما من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومساعديه، الذين يدعون الحكومة الإسرائيلية إلى التحلّي بـ"الصبر" قليلاً قبل أن تتخذ قراراً باستئناف العمليات العسكرية".
ومع ذلك، تتردّد إسرائيل في فتح معبر رفح بين غزة ومصر لتسهيل عبور شاحنات الإغاثة، وتعتبر أن "حماس" أخلّت بتعهداتها بشأن تسليم جثث الأسرى، وتحرّض ترامب على إعلان عدم التزام الحركة بالخطة الأميركية، وبالتالي منح الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي للهجوم مجدداً.
في واقع الأمر، هناك نصف استجابة من ترامب للدعوة الإسرائيلية، إذ ذكّر "حماس" في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية للتلفزيون ليل الأربعاء، بأنّ الحركة تدرك أن معاودة الهجوم الإسرائيلي تنتظر إشارة منه، ولذا يتعيّن بذل جهد أكبر للعثور على مزيد من جثث الأسرى الإسرائيليين.
ومنذ البداية، هناك رهان من جانب نتنياهو على أن ترامب لن ينتظر كثيراً حتى يفقد صبره إزاء "حماس"، وذلك عائد لازدحام جدول أعمال الرئيس الأميركي، الذي يكرّس جهداً رئيسياً الآن للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقبول بوقف النار مع أوكرانيا. وهو منح تفويضاً لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" لشنّ عمليات داخل فنزويلا، وكأنّ البيت الأبيض يمهّد لغزو هذا البلد لإطاحة نظام الرئيس نيكولاس مادورو، بعد الهجمات الأميركية على الزوارق قرب السواحل الفنزويلية.
وفوق هذا وذاك، تشغل الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة الحيّز الأكبر من وقت ترامب، من المواجهة مع حاكم الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول على خلفية إلحاح البيت الأبيض على خفض الفائدة، إلى نشر المارينز في مزيد من المدن المؤيّدة للديموقراطيين، التي يتعاطى معها الرئيس الجمهوري وكأنها "ساحات حرب".
في ظلّ هذا الرهان، يمنّي نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف الحاكم أنفسهم بأن يتراجع اهتمام ترامب شيئاً فشيئاً بغزة وبالشرق الأوسط عموماً، ما يتيح لإسرائيل العودة إلى الحرب تحت ذرائع مختلفة، ومنها مسألة استعادة ما بقي من جثث أسراها.
عدم بلوغ هذه النقطة يتطلّب من ترامب إبقاء الضغط على الحكومة الإسرائيلية للحفاظ على الخطة الأميركية التي تلبّي في مجملها أهداف الحرب، وتُعدّ بمثابة إنذار لـ"حماس".
وليست استعادة جثث الأسرى الإسرائيليين هي المطلب الوحيد الذي ينتظر الخطة الأميركية، فهناك أحزاب إسرائيلية ستطرح الأسبوع المقبل مشروع قانون على الكنيست لضمّ الضفة الغربية.
هذا التطوّر يشكّل تحدّياً لترامب الذي تعهّد الشهر الماضي لدول عربية وإسلامية واكبت خطة غزة، بأنه لن يسمح لإسرائيل بالإقدام على خطوة كهذه. وهذا ما يضع نتنياهو أيضاً في موقف سيتعيّن معه الاختيار بين مجاراة اليمين المتطرّف أو المخاطرة بتعريض علاقته مع ترامب للاهتزاز.
وعلى هذه الخلفية المتشائمة، اعتبر المفاوض الأميركي السابق ديفيد آرون ميلر، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست"، أن "أحد أكبر المخاوف هو أنه مع تلاشي ضغوط الحرب والكارثة الإنسانية اللتين أذهلتا العالم لمدة عامين، أن يتلاشى الزخم الديبلوماسي الذي تولّد في الأسابيع الأخيرة".