قمة شرم الشيخ والمظلّة الدولية للاتفاق

هذه المرة لا تُعقَد قمة ثنائية فلسطينية إسرائيلية برعاية البيت الابيض حيث تتم المصافحة بين الأعداء، كما حصل بدءاً من اتفاق أوسلو العام 1993 حيث تم توقيع الاتفاق في البيت الابيض برعاية الرئيس بيل كلينتون بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين. تُعقَد هذه القمة في شرم الشيخ برئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومشاركة أكثر من 20 من قادة الدول ويغيب عنها حركة "حماس" كطرف أساسي في الحرب، ينصّ اتفاق وقف الحرب على نزع سلاحها وإقصائها عن إدارة غزة. فيما أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ إسرائيل لن تُشارك أيضاً في قمة شرم الشيخ. ومع أنّ أسباب عدم مشاركة الطرفين المتصارعين مختلفة، فإنّها تترجم حجم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لإبرام اتفاقٍ يضمنُ إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ويُنهي الحرب، ويُمهّد الطريق لانتقال ديموقراطي في الحكم يستبعد "حماس" في غزة.
هذه القمة التي ترمي إلى تأكيد " تاريخية " اللحظة البعيدة المدى والمفاعيل الإقليمية والدولية تنطلق من القاء مظلة واسعة من التوافقات الاقليمية والدولية على إنهاء "الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي"، وفق بيان للرئاسة المصرية إذ تصعب على الطرفين المتحاربين في شكل أساسي استسهال الاخلال بالاتفاق وتدفع إلى استكمال بنوده باعتباره جزءاً لا يتجزأ من هذه التوافقات ولا عودة عنها.
وتحلّ هذه القمة من حيث المبدأ مكان الأمم المتحدة التي يتم اللجوء اليها لتكريس أو تثبيت توافقات أو تفاهمات معينة على قاعدة ضمان دعمها دوليّاً، فيما تتعرض هذه المنظمة الدولية للتهميش في ظل الخلافات التي تعصف بها. ولكن هذا موضوع آخر فيما تكتسب القمة زخماً يُفترَض أن يُخفّف من الشكوك الكبيرة حول القدرة على الانتقال من المرحلة الاولى من اقتراح الرئيس الأميركي الى المراحل التالية ويُثبَت قواعده الاقليمية في الدرجة الأولى ويحميه كذلك. إذ إنّ اليوم التالي لتنفيذ المرحلة الاولى التي تنص على وقف الحرب وتبادل إطلاق الرهائن والاسرى يحظى بحذر كبير تُعبّر عنه مواقف قادة دول كانت جزءاً من معاناة غزة وشاركت بقوة في جهود انهاء الحرب ويرد عليها البيت الأبيض بإعلان الرئيس الأميركي نفسه بأنّ "الاتفاق سيصمد" على قاعدة الالتزام الاميركي كما يقول مراقبون باتفاق او افكار تحمل اسم الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومشاركة كل الدول المعنية بحيث تشكل هذه العوامل جميعها ضمانات دولية للتنفيذ.
إلّا أنّه مع تاريخ المنطقة وتجاربها المؤلمة يصعب النظر الى المستقبل على أنّ الاتفاق وضماناته يحملان إنهاء فعليّاً وعملانيّاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقبولاً إسرائيليّاً بهذا "الحل " وحتى قبولاً إيرانيّاً. لفت المراقبين ازاء هذه النقطة الاخيرة قول السفير الايراني في لبنان مجتبى أماني "نأمل ألا تُقابل الحلول المطروحة لغزة بخروقات أو اعتداءات جديدة، وأن تلتزم إسرائيل بتعهداتها. فطالما استمرت سياسة الاحتلال، فإنّ مستقبل إسرائيل سيظل مظلماً، وقد تظهر فصائل فلسطينية جديدة"، وفق تعبيره. وهي إشارة تذكيرية بأنّ إيران لها كلمتها وموقعها الإقليمي في هذا السياق بالاضافة إلى إمكان إعادة ابتكار الحركات الفلسطينية الراديكاليات تحت أسماء أخرى، وفي إشارة ايضاً إلى عدم تراجع إيران حتى الآن عن السعي إلى توظيفها القضية الفلسطينية لابقاء شعار "المقاومة" حيّاً تماماً كما فعلت في لبنان بعرقلتها قرار الدولة اللبنانية حصرية السلاح في يد الجيش اللبناني. فيما أنّه وفيما قد يكون الحل لغزة ممهوراً بطموحات اقتصادية متعددة، فإنّ المخاوف تظل كبيرة من قضم إسرائيل تدريجاً للضفة الغربية، فيما أنّ الخشية الأكبر من أن واقع وقف الحرب قد يضعف من التركيز الخارجي على متابعة الحلول لا سيما في ظل تعقيدات كبيرة قائمة واخرى يمكن ان تبرز في مسار السعي إلى تنفيذ الحل, بالاضافة الى بروز اولويات جديدة لدى الدول المعنية.
[email protected]