توقعات ما بعد تفعيل آلية الزناد

آلية الزناد هي المصطلح الذي تعارف عليه باللغة العربية لما عرف في المصطلح الإنكليزي "سناب باك" أي الارتداد التلقائي، وهو مصطلح مثبت في قرار مجلس الأمن الرقم 2231 لعام 2015 الخاص بالاتفاق المشهور بين الدول الست، بما فيها الصين وروسيا والدول الغربية، وبين إيران. بموجب ذلك الاتفاق، فإن الدول الموقعة الغربية منفردة أو مجتمعة، إذا وجدت أن هناك "إخلالاً جوهرياً" من إيران حول ما جاء في الاتفاق، فهذا يؤدي إلى إعادة سريان العقوبات تلقائياً.
وبعد فشل المفاوضات الأميركية الإيرانية في حزيران/ يونيو المنصرم، والحرب التي تلتها مباشرة بين إسرائيل وأميركا من جهة، وإيران من جهة، دفعت إيران للتشدد في مواقفها تجاه الملف النووي الإيراني، وتقديم تفسيرات مختلفة لنصوص الاتفاق. هذا التردد ينم عن انقسام داخلي مزمن في النخب الإيرانية الحاكمة، والذي اشتكى منه مرّ الشكوى محمد جواد ظريف في كتابi الأخير "صمود الديبلوماسية"، وكان يرغب أن يعنونه "شفاه باسمة وقلوب تدمي" وهو العنوان الأكثر قرباً من المحتوى.
حاول الأوروبيون بطرق مختلفة إقناع إيران بالعودة من جديد إلى طاولة المفاوضات، إلا أنها تمنعت، بسبب ذلك الشرخ الداخلي، ووضعت شروطاً جديدة... ما أدى إلى أن تصدر الوكالة الدولية للطاقة تقريراً يدين التمنع الإيراني، والذي سماه "المراوغة".
في آب/ أغسطس الماضي قدمت الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا (أي جزء من الدول الست) إلى مجلس الأمن اقتراحاً بعودة العقوبات، وسمحت لنافذة زمنية، فترة شهر واحد، ينتهي آخر أيلول/ سبتمبر ( المنصرم) كي تعود إيران إلى المفاوضات المؤدية إلى اتفاق. فقد وجدت هذه الدول أن إيران قامت "بإخلال جوهري" وهو التعبير الذي يستخدم في القرار، ما يستلزم إعادة سريان العقوبات تلقائياً.
ولم تتوصل الأطراف المختلفة في الفترة المحددة، أي 30 يوماً، إلى اتفاق، فتم إبلاغ مجلس الأمن بتفعيل تلك الآلية، وعودة العقوبات. ولم ينجح الروس ولا الصينيون في محاولاتهم تأجيل أو إبطاء إعادة سريان العقوبات، لأنهم لم يكونا يملكان حق الفيتو، حيث نص القرار في 2015 على أن العودة للعقوبات ستكون تلقائية، متى ما طلب أحد الأطراف ذلك.
الدول الثلاث أشارت إلى مجموعة من العوامل التي أدت في نظرها إلى الخلل الجوهري، هي تكديس اليورانيوم المخصب والمخزون فوق الحدود المسموح بها في الاتفاقية، وأيضاً انتهاك اتفاقية المراقبة التي نص عليها القرار الدولي، والتخصيب بدرجات عليا ما يهدد الأمن الدولي بالخطر.
العقوبات تشمل حظر السلاح وتوريده إلى إيران، وتقييد برنامج الصواريخ البالستية، وتجميد الأرصدة، وفرض قيود على التجارة، ومنع سفر عن عدد من المسؤولين الإيرانيين، وتجميد التعاون النووي المدني.
في الغالب إيران قرأت المشهد الدولي والإقليمي قراءة خاطئة، خاصة استجابة دول العالم لما يحدث في غزة. قرأته على أنه انتصار لسياساتها، وأن ذلك الانتصار سوف يؤدي إلى التعاطف مع المشروع الإيراني، كما قرأت الاعتداء على قطر وزيادة انتقاد إسرائيل، وذهبت الى التشدد. وهي قراءة إن لم تكن خاطئة، فهي محدودة، لأن ملف غزة والتعاطف معها وشجب الاعتداء على قطر شيء وملف النووي الإيراني شيء آخر تماماً.
من المتوقع أن تعود إيران إلى سياسة استخدام أذرعها المختلفة، في لبنان وفي العراق وفي اليمن، وبعض قواها النائمة في بلدان أخرى، من أجل إشاعة عدم الاستقرار في تلك البلدان. وما الحراك الذي نراه في لبنان من "حزب الله"، إلا جزء من تفعيل تلك الآلية، من أجل تعطيل الدولة اللبنانية، كما أنها سوف تحرك أذرعها الأخرى لتعطيل مسيرة الدولة السورية الجديدة، والسياسيات التنموية المختلفة في بلاد الجوار. كما أن هناك احتمالاً لإرباك التجارة الدولية في كل من باب المندب ومضيق هرمز . ففي السردية الإيرانية في وقت الأزمات تعتمد على مقولة "إذا لم أكن أنا هناك فلن يكون أحد هناك"!!
لذلك من الحصافة التحوط الأمني والعسكري في الضفة الغربية من الخليج، والتنسيق بين فعاليات التعاون المعلوماتية المشتركة في المنطقة، ومع الدول الصديقة. كما أن هناك تخوفاً من هجوم سيبراني، على البنية التحتية في الطاقة والمصارف والمستشفيات، مع مراقبة التدفقات المالية القادمة من طهران.
أما التحوط السياسي فهو تأكيد التحالفات، والانفتاح على القوى الدولية المختلفة، وعدم الركون إلى الوعود الإيرانية، خاصة إذا منع النفط الإيراني من الأسواق المستهلكة له. وبالتالي تتصاعد أثمان النفط في دول الجوار، كما علينا أن لا نتجاوز التحوط الإعلامي لشرح مخاطر تلك الاحتمالات وخاصة محاولات التحريض الطائفي. وتسريع النموذج التنموي للتقليل من جاذبية الخطاب الإيراني عند العامة.
إستراتيجية التحوط هي أن تكون المنطقة أقل عرضة للابتزاز، وأكثر قدرة على امتصاص ردات الفعل الإيرانية.