كلام كثير وعمل قليل لنزع سلاح "حزب الله"!

تُفيد معلومات باحث جدي في مركز أبحاث أميركي مهم ومعروف بتعاطفه مع إسرائيل أن الرئيس اللبناني جوزف عون يقول في اجتماعات الغرف المقفلة أنه لا ينوي في أيّ ظرف إرسال جيش البلاد للاصطدام بـ"حزب الله". وهو يصر على أن تنفيذ قرار الحكومة نزع سلاحه يجب أن يسبقه حوار وتفاهمات صلبة. وقد أعطى عون في أثناء قيادته للجيش وقبل انتخابه رئيساً تعليمات لضبّاطه لتقديم خطة له كي يجمع بتنفيذها السلاح المذكور بحلول الثاني من أيلول الجاري. لكن رغم ذلك أبلغت الحكومة الموفد الرئاسي الأميركي الخاص توم برّاك والسيدة مورغن أورتاغوس أن جمع السلاح يمكن أن يُنجز في أواخر السنة الجارية. وهو أمرٌ وعد به رئيس الحكومة نواف سلام في تصريحاته الوزارية. أما "حزب الله" فقد عاد إلى المطالبة بمناقشة "إستراتيجية دفاعية" مظهراً بذلك دوره في مقاومة إسرائيل. لكن في الوقت نفسه كان الرئيس الجديد لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم يؤكد رفض تسليم ترسانته العسكرية، وهي لا تزال "حرزانة"، وكان يُهدّد بمحاربة الجيش اللبناني في حال الإصرار على التسليم وحتى بالتسبّب بحرب أهلية.
ماذا عن قائد الجيش الجديد العماد رودولف هيكل؟ يعرف الرئيس عون أنه اختير من بين المؤهلين لهذا الموقع العسكري الرفيع فقط لأنه كان المرشّح المفضّل لهذا الموقع عند "حزب الله"، إذ كان قد نمّى علاقة عمل مع العملانيين في الأخير يوم كان قائداً للقوات في قطاع جنوب الليطاني. علماً بأن قاسم لوّح بشنّ "حرب كربلائية" إذا نُفّذت عملية نزع سلاح "الحزب". أمّا رئيس الحكومة نوّاف سلام فقد قال مراراً إن السلاح يكون في حوزة الدولة فقط. لكن يبدو أن "حزب الله" لا "يحبّه" أو ربما لا يتطلّع إليه بجدّية، وقد بدا ذلك بعد نجاحه في "إقناع" سلام بتأييد مؤيّدين لـ"حزب الله" في مواقع أمنية مفتاحية. أما الموفد الأميركي برّاك فقد طلب علانية من إسرائيل اتخاذ خطوات عدة منها انسحاب تدريجي من التلال الخمس التي لا تزال تحتلها في الأراضي المحاذية لها من جنوب لبنان. ومنها خفض وتيرة القصف الجوّي لـ"حزب الله" وهو يحاول إعادة بناء مواقعه المحصّنة. إلا أن إسرائيل لن تقبل أيّ تنازل ما دامت وعود نزع سلاح "الحزب" غير منفّذة.
ماذا على الولايات المتحدة أن تفعل في هذا المحال؟ على الولايات المتحدة أن تمارس ضغطاً واضحاً على الرئيسين عون وسلام لتشجيعهما على الإسراع في تنفيذ المهمات المتفق عليها. يعني ذلك حجب المساعدة الاقتصادية عن البلد المُفلس ومعاقبة المسؤولين عن التأخير وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو أيضاً رئيس "أمل"، وحليف "حزب الله" الذي يمكن أن يؤذي "الحزب" عملياً في حال مشاركته عون وسلام في التزام تنفيذ نزع السلاح. أما إسرائيل فتستطيع توسيع مجال أهدافها العسكرية بحيث تشمل القوى العسكرية الباقية لـ"حزب الله" والأمنية والمخابراتية، ويشمل ذلك قادتها البارزين والمعروفين بالأسماء. هؤلاء موجودون على لائحة الإرهاب الأميركية.
إلى ذلك على إسرائيل إعداد لائحة بخطوات ديبلوماسية ثنائية يمكن اعتبارها إجراءات بناء ثقة وذلك بعد إنجاز ترسيم الحدود والبحث في اتفاق أمني شامل. من هذه الخطوات إنشاء لجنة مشتركة أو مختلطة مهمتها الإشراف على تدفق أو جريان المياه في نهر الحاصباني وهو أحد الروافد الأساسية لنهر الأردن، كما في رافد العيون ونبع الوزاني. من الخطوات أيضاً إعادة فتح المعبر الحدودي لـ"روش هانيكرا" وإعادة فتح المجال الجوي الذي يخدم على نحو رئيسي الرحلات من لبنان إلى المملكة العربية السعودية. واعتراف لبنان رسمياً بأن مزارع شبعا وقرية الغجر كانتا جزءاً من الأرض السورية قبل حرب 1967 من شأنه حرمان "حزب الله" عذراً رئيسياً أو حجة دامغةً تبرّر مواجهته إسرائيل. إلى ذلك هناك خطوات لبنانية – إسرائيلية إضافية يمكن الاتفاق عليها في أثناء فترة انتظار نزع سلاح "حزب الله".
إلا أن الباحث الجدي في مركز الأبحاث الأميركي المهم يقول إنه منذ شهر آب الماضي لا يبدو الوضع مشجعاً. فالقوات العسكرية اللبنانية تفتقر إلى الإرادة والقوة حتى لتطبيع الاتفاق الذي تم التوصّل إليه في أيار بين الرئيس عون ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) بنزع سلاح 12 مخيّماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان. وفي أول محاولة لتنفيذه خرجت القوات المسلحة اللبنانية بشاحنة صغيرة جداً من الأسلحة من مخيم برج البراجنة. لكنها تابعت مهمتها لاحقاً وخرجت بعدد من الشاحنات. وهي تعتزم الاستمرار في هذا العمل. لكن أمامها عملية مهمة هي أن التنظيمات الإسلامية الفلسطينية كلها وحركة "حماس" غير تابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله وهي لم تنضم إلى عملية نزع السلاح. لكن أقواها أي "حماس" تقول إن بحثاً في هذا الموضوع سيجري مع السلطة اللبنانية.
في أي حال على لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية إلغاء اتفاق القاهرة الموقّع عام 1969 والذي أعطى الفلسطينيين حرية حركة عسكرية وسياسية وشعبية واسعة في لبنان. باختصار، لا شك في أن "حزب الله" أُضعف بقوة وخسر تقريباً عدداً من حلفائه المحليين. وفي النهاية يقول أحد أصدقاء أميركا من اللبنانيين لها إن "حزب الله" ضعُف لكنه ربح في الانتخابات البلدية الأخيرة ولا يزال إعلامه قوياً. فهل يستمر الرئيس عون في وعد واشنطن بنزع سلاح "حزب الله" وفي توجيه رسالة أخرى مختلفة عنها وربما مناقضة لها إلى "الحزب"؟