لو لم يحدث "7 أكتوبر"!

كتاب النهار 16-06-2025 | 22:37

لو لم يحدث "7 أكتوبر"!

 بعد أقل من ثلاثة أشهر من 7 أكتوبر، أظهرت الاستطلاعات الإسرائيلية أن 70% من الإسرائيليين أظهروا دعماً قوياً للعملية العسكرية، التي سميت "استعادة الردع" وتشكلت مشاعر غضب وصدمة في معظم شرائح المجتمع الإسرائيلي، وتأييد كبير للحكومة اليمينية. كل الخلافات في السابق وضعت "تحت السجادة".
لو لم يحدث "7 أكتوبر"!
الحرب القائمة لم تشهد إسرائيل مثيلاً لها. (أ ف ب)
Smaller Bigger

أعرف أنه تمرين عقلي، كما أعرف أن كثيرين سوف ينظرون إلى ما سوف يأتي نظرة المعارضة، إلا أنني أريد أن أكتشف ما لم يكتبه التاريخ من خلال سؤال: ماذا كان يمكن أن يحدث للمجتمع والإدارة الإسرائيلية لو لم يحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؟

قبل ذلك التاريخ عاد بنيامين نتنياهو إلى الحكم (كانون الأول/ ديسمبر 2022) على رأس حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، بعدها بقليل بدأ بمشروع سماه "الإصلاح القضائي" للهرب من الملاحقة القضائية، يهدف إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية في القرارات السياسية. فجّر ذلك احتجاجات داخلية ضخمة، وكانت أيضاً موجهة نحو معارضة تزايد نفوذ الأحزاب الدينية في الحياة العامة، و محاولتها تقليص الحريات.

ما عرف بمشروع "الإصلاح القضائي" كاد أن يهدد بتفكيك المنظومة العسكرية والأمنية لإسرائيل نتيجة الرفض الواسع للمشروع، وكاد أن يصل إلى تفكيك الائتلاف الحاكم. أصبحت هناك تحذيرات علنية من تفكيك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، صلب الدولة، بل حدث تمرد داخل الجيش، ورفض بعض الطيارين والمجندين أداء الخدمة، وبعضهم خلع بزته العسكرية كطريقة للاحتجاج.

ردت المحكمة العليا بأن هناك احتمالاً أن تبطل القوانين التي تسنها الحكومة اليمينية، بل أصبح النظام الديموقراطي الذي كانت إسرائيل تفخر به في مهب الريح، فثمة اتهامات جدية ضد رئيس الحكومة بأنه خرق القانون، وأن هناك وزراء مدانون قانوناً.

في الوقت نفسه زادت الانتقادات الدولية للحكومة اليمينية الإسرائيلية بسبب تطرفها الديني، وانتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية، بل قررت حكومة الولايات المتحدة (إدارة بايدن) أن تتحفظ وقتها عن بعض الشخصيات العامة الإسرائيلية، مثل بن غفير وسموتريش، بسبب السياسة الاستفزازية للائتلاف الحاكم، وكانت الموجة تحتاج إلى بعض الوقت حتى يتصدع الائتلاف، وتسقط الحكومة.

كان المشهد السياسي الإسرائيلي قبيل 7 أكتوبر 2023 يشهد تآكلاً في الثقة بين قطاعات واسعة من المواطنين وبين الحكومة اليمينية، مما أدى إلى أزمة دستورية وشرعية حادة، وحالة استقطاب مجتمعي لم يُعرف مثيل لها في كل تاريخ الدولة العبرية، وكانت الاحتمالات المرجحة في النصف الثاني من عام 2023 أزمة قانونية وتصعيد أمني.

ثم جاء 7 أكتوبر بمثابة "هدية من السماء" للحكومة اليمينية المتطرفة، فلجأت إلى قاعدة معروفة في التاريخ. استخدمت في أكثر من مفصل تاريخي: "في حال الصراع مع الخارج يجب أن تصمت الأصوات" أو الفكرة التي قيلت في الجانب العربي، وهي فكرة كما أسلفت ليست جديدة: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"! قاعدة استخدام التهديدات الخارجية لتضييق دائرة الانقسامات الداخلية!

في كانون الأول / ديسمبر 2023 ، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من 7 أكتوبر، أظهرت الاستطلاعات الإسرائيلية أن 70% من الإسرائيليين أظهروا دعماً قوياً للعملية العسكرية، التي سميت "استعادة الردع" وتشكلت مشاعر غضب وصدمة في معظم شرائح المجتمع الإسرائيلي، مع تأييد كبير للحكومة اليمينية. كل الخلافات في السابق وضعت "تحت السجادة".

تطويل زمن الحرب على غزة، وأيضاً الإبادة الكاملة للشعب هناك، جزء لا يتجزأ من استراتيجية "شد العصب الداخلي"، وإن "أنتم يا شعب إسرائيل، مهددون، كما حدث لآبائكم في الهولوكوست"، أي استثمار الخوف العام من عدو! الى جانب ذلك، بدأت الحكومة اليمينية تستخدم تكتيكاً آخر (معروف تاريخياً) وهو استثمار الخوف من التصفية والقتل وسياسة التجويع للغزاويين في خلق رأي عام مضاد لـ"حماس"، من أجل تشكيل "قوى متعاونة" في الداخل، الأمر الذي اعتمد عليه الكثير من القوى الغازية في التاريخ.

في استطلاعات ديسمبر 2024 بعد أكثر من سنة من الحرب، تغير المزاج الشعبي الإسرائيلي، وأصبح التأييد للعمليات العسكرية في غزة أقل من 50% من المستطلعين، وأصبح الغضب الشعبي موجهاً إلى الحكومة، وقال 60% من المستطلعين، إن "الحكومة فشلت في إدارة ملف المخطوفين".

هذه القراءة لم تجد لها صدى سياسياً حاذقاً في الجهة المقابلة، وهي "حماس"، التي لم تعرف كيف تحسب الدخول في المعركة، ولم تستطع أن تستفيد من منحنياتها السياسية؛ ظلت تعتاش على شعارات ليست لها علاقة بالواقع، ولم تستطع أن تحذق إدارة الملف وتعرجاته.

الحرب سوف تستمر لأسباب داخلية إسرائيلية. والعواصم الغربية، لا تزال تحت تهديد "العداء للسامية" والماكينة الإعلامية للحكومة اليمينية الإسرائيلية، تستثمر حوادث الماضي وترددها، حتى تقعد العواصم الغربية بالذات عن العمل الإيجابي، وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

القوة العسكرية ترغب في تأكيد "استعادة الردع" رغم أن الحرب القائمة لم تشهد إسرائيل مثيلاً لها ولا حتى في عام 1948. فائض القوة سوف يستخدم في قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وضرب أكبر مساحة مجاورة.

أمام هذا المشهد، فإن الطرف المقابل يحتاج إلى استراتيجية، تتلخص بإنهاء الحرب، بعدها فإن القوى الإسرائيلية الداخلية سوف تصفي حساباتها بينها. والسؤال الكبير كيف يمكن إنهاء الحرب؟ والجواب في إطلاق "حماس" كل الأسرى دفعة واحدة، من دون تأجيل. ذلك سوف ينزع إحدى أهم الذرائع. أما المداورة والتسويف فإنها في مصلحة الحكومة اليمينية. المشهد السابق، هو الأقرب إلى المنطق السياسي، كما تسرده لنا الوقائع الصلبة، لا العواطف الجياشة.

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين