ما حصل جنوب الليطاني ليس كافياً

شكّل رد الفعل الأميركي الذي عبّرت عنه الخارجية الأميركية إزاء قصف إسرائيل مواقع أو أبنية في الضاحية الجنوبية، والذي دعمت فيه التصرف الإسرائيلي، ضربة قاسية إلى حد كبير للذين ينامون على اعتقاد أن إلغاء مهمة مورغان أورتاغوس في لبنان قد يترجم انزعاجا من المقاربة التي حملتها حيال إنهاء سلاح الحزب، وكأنها سياسة شخصية أو أسلوب مباشر منفر استفز البعض فرفع شكواه.
السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل الذي أمضى أياما التقى فيها مسؤولين تربطه بهم صداقة نظرا إلى المدة الطويلة التي شغل فيها منصبا ديبلوماسيا في لبنان، والذي شهد على القصف الإسرائيلي الأخير، نقل الانتظارات القوية لنزع سلاح الحزب الذي وافق وفق ما كرر مرارا في حديثه إلى "النهار" على الأمر، وعدم قبول إسرائيل بغير ذلك وضغطها على الدولة اللبنانية يندرج في هذا الإطار. إنها ببساطة، سياسة واشنطن من دون إضافات ممن يعتبرون أن اللبنانيين الذين يزورون العاصمة الأميركية يضيفون إليها وجهات نظرهم من اللقاءات التي يعقدونها.
يقول هيل: "علاقتنا مع إسرائيل قوية جدًا كما كانت. نحن داعمون جدًا لكننا ندعم لبنان أيضًا لأنه من مصلحتنا أن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة. لن يحصل هذا قبل نزع سلاح "حزب الله". وما لم يتم نزعه ستعود إسرائيل إلى ما تفعله. لهذا السبب نحن متعاطفون مع المشكلة الإسرائيلية. إنهم يحاولون الضغط على النظام اللبناني. لا نريد الحرب، ولكن إذا لم يفعلوا ما هو متفق عليه، فما الخيارات المتاحة لدينا؟"
المتحدث باسم الخارجية الأميركية كان قال تعليقاً على الغارات الإسرائيلية إن "الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية مجتمعاتها في الشمال (من حزب الله) والمنظمات الإرهابية الأخرى التي تروّج للعنف وتعارض السلام". وأضاف: "تُشكل البنية التحتية والأنشطة الإرهابية للحزب تهديداً خطيراً لسيادة لبنان وأمنه".
وبرز تباين إزاء ذلك في الموقف الفرنسي الذي يمكن فهمه في ضوء معطيات كثيرة، من بينها الغضب الفرنسي مما يحصل في غزة أيضا والمصلحة الفرنسية في عمل القوة الدولية في الجنوب، إذ دانت فرنسا الغارات الإسرائيلية داعية إلى الانسحاب الإسرائيلي "بأسرع وقت" من جميع الأراضي اللبنانية. وطالبت الخارجية الفرنسية في بيان، جميع الأطراف باحترام اتفاق وقف إطلاق. ولكن في واقع الأمر، وجدت فرنسا حاملة القلم بالنسبة إلى لبنان في مجلس الأمن نفسها أمام معضلة الاعتداءات المتكررة على القوة الدولية في الجنوب، وهو ما قد يضع الصيغة الفرنسية للتجديد لليونيفيل على المحك من الجانب الأميركي وأطراف آخرين، ولا سيما في ضوء رؤية أميركا لدور "اليونيفيل" على خلفية المفاوضات التي يحتمل أن تجريها بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، والتي يمكن أن تبدأ حتى قبل موعد التجديد في آب المقبل.
ما يجري في الجنوب من اعتداءات الأهالي لا يصب في مصلحة تأكيد السلطة اللبنانية دورها ووجودها وقدراتها، ولا كذلك ما يقوله مسؤولوها عن نسب نجاح حققها الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، أكانت هذه النسبة 85 أم 90 في المئة، باعتبار أن لا تحديد فعليا لهذه النسبة وترجمتها واحتسابها، بالإضافة إلى أن نسبة الـ10 في المئة الباقية قد تكون وحدها مهددة للاستقرار وغير كافية لمتطلبات تنفيذ القرار 1701 أو ضمانات سيطرة لبنان على جنوب الليطاني. وهو ما ترجمته في ضوء معلومات ديبلوماسية عدم رضا خارجي وليس محليا فقط عما حصل ويستمر في الحصول جنوب الليطاني، فيما يستمر ذلك في توفير أوراق وذرائع لإسرائيل للاستمرار بما تقوم به وفرض أجندتها من دون إدانات أو انتقادات خارجية تذكر.
هذه النقاط لا تثار علنا على المستوى الديبلوماسي، لكنها موجودة وحاسمة في رؤية الدول في تكوين مواقفها من لبنان، في ظل استمرار متضررين من عودة الدولة ومن خسارة "حزب الله" سلاحه والسلطة التي كان يتمتع بها من اللعب والتصرف من دون حساب أو عقاب.
في المقابل، يحتاج لبنان إلى بلورة أفكار يخرج فيها من نزعة الضحية التي حافظ عليها طوال سيطرة "حزب الله" وقبله النظام السوري، ليس في موضوع التجديد للقوة الدولية في الجنوب بل استعدادا لأي زيارة لأي وسيط أميركي، فيتخذ موقع المبادر بدلا من أن يبقى في موقع دفاعي على طول الخط.