الاحتلال الإسرائيلي سلاح "الحزب" ضد الدولة

عودة الأمين العام لـ"حزب إيران/ حزب الله" إلى معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" تعني: أولاً، أن "الحزب" لا يزال يراهن على دورٍ محوريّ لسلاحه وإنْ لم يعد قادراً على "المقاومة" لكنه يريد الحفاظ عليها شعاراً يناوئ به الداخل اللبناني، بما في ذلك الدولة. وثانياً، أنه غير مكترث بما حلّ بـ"الشعب" بما أنه استطاع حشد جمهوره إلى تشييع قائدَيه السابقين. وثالثاً، أنه غير معنيّ بدعم المهمة التي يتولّاها "الجيش" في الجنوب تطبيقاً للاتفاق المذلّ الذي ارتضاه "الحزب" لوقف إطلاق النار وهو مدركٌ كلّ شروطه ومنها "نزع سلاحه"، وكلّ ثغراته وأهمها اعترافٌ أميركي بـ"حق" إسرائيل في خرق الاتفاق ومواصلة اعتداءاتها بذريعة مطاردة "الحزب" وأسلحته.
وإذ يقول نعيم قاسم الآن "لا علاقة لنا بأيّ اتفاق بين أميركا وإسرائيل"، فإنه ينكر أيّ مسؤولية لـ"حزبه"، أو لإيران، سواء بافتعال "حرب الإسناد" والتسبّب بخسائر بشرية هائلة ودمار كبير، وصولاً إلى احتلال إسرائيلي لنقاط استراتيجية باتت متصلة باحتلال مناطق في سوريا، وهذان احتلالان مرشحان لأن يصبحا دائمين، بموافقة وضمان أميركيين. هذا الإنكار للمسؤولية يبرّره "الحزب" لنفسه بالاعتبارات العقائدية، فالخسائر والدمار "تضحيات" يتوقّعها التكليف "الشرعي" أو "الجهادي" ولا قيمة لها مقارنة بـ"الهدف" الذي لم يكن "الحزب" مقنعاً في تحديده، أهو المشروع الإيراني الإقليمي (وها هو قد تراجع)، أم "نصرة غزّة" (ولم تكن مجدية في أيّ وقت، بل برّرت الذهاب إلى خطط التهجير)، أم "زوال إسرائيل" (التي استغلّت الحرب للتوسّع و"تغيير وجه الشرق الأوسط")؟
الواقع أن المراجعة التي تجريها إيران لوضعها المأزوم فيما تخيّرها إدارة دونالد ترامب بين أن تُضرب عسكرياً أو تقدّم تنازلات في اتفاق نووي جديد، تجد نفسها مدفوعة إلى ردود هجومية بواسطة ما بقي لها من أذرع إقليمية. لكن سعيها إلى تخريب الحال الجديدة في سوريا عبر فلول النظام الأسدي كان محاولة يائسة وفاشلة لاستعادة النفوذ، فأيّ دفع إيراني إلى تجزئة سوريا يشكّل الآن خدمة مجانية لإسرائيل التي باتت تهيمن على الجنوب السوري وتبحث عن "شرعية أميركية" لاحتلالها المُستزاد في سوريا.
أما المراجعة التي قيل إن "حزب إيران" اللبناني يجريها فإن المواقف التي يعلنها نعيم قاسم وسواه من القادة تشير إلى أن تغييراً عقلانياً لا يُرتجى منها. فـ"الحزب" يبحث، بتوجيهات طهران، عن تعريف جديد لوظيفته الإيرانية (الإقليمية) لا عن دور إيجابي وبنّاء منخرط في دعم الدولة اللبنانية. فالمواقف "المستجدة" من اتفاق الطائف والقبول بالوسائل الديبلوماسية "لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي" والتذكير بتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، ليست نتيجة مراجعة لأخطاء المرحلة السابقة وإنما هي فقاعات لتمرير المرحلة الراهنة والتعمية على الاستحقاقات المطلوبة من لبنان للحصول على مساعدة في إعادة الإعمار ومعالجة الأزمة الاقتصادية.
عدا أن "الحزب" استدرج الاحتلال الإسرائيلي واستدعاه فإنه يستخدمه الآن لاختبار الدولة وتحدّيها، وعدا أنه يحاول دقّ الأسافين أو افتعالها بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فإن إعلان نعيم قاسم أن "لا إصلاح ولا إنقاذ من دون إعادة الإعمار" فيه تلويح بالعمل على إفشال الحكومة من داخلها، لأنه يعلم أن سلاح "حزبه" عقبة أمام كل المساعدات، وأمام عودة الدولة واستعادة لبنان عافيته. لفت رئيس الحكومة نواف سلام إلى أن تقديرات البنك الدولي لإعادة الإعمار بلغت أخيراً 14 مليار دولار و"يمكن أن يزيد الرقم". أما "الحزب" فلا يهجس إلا بالأموال الإيرانية التي لا تعيد الإعمار، مهما بلغت، بل يستخدمها لإعادة شراء ولاءات جمهوره.